شرح درس الرواد المؤسسون لعلم الاجتماع - علم اجتماع ثانيه ثانوي
الرواد المؤسسون لعلم الاجتماع
يُعد علم الاجتماع من العلوم الإنسانية الحديثة نسبياً، ولكن جذور التفكير في المجتمع وشؤونه قديمة قدم الحضارات. هذا العلم لم يظهر فجأة، بل هو نتاج جهود متراكمة لرواد ومفكرين لاحظوا أن المجتمع يسير وفق "قوانين" محددة، تماماً كالظواهر الطبيعية.
في هذا الدرس، سنتعرف على ثلاثة من أهم الرواد الذين وضعوا أسس هذا العلم: "ابن خلدون" المؤسس الحقيقي (علم العمران)، و "أوجست كونت" الذي صاغ المصطلح الحديث (علم الاجتماع)، و "إميل دوركايم" الذي وضع له القواعد المنهجية الصارمة.
أولاً: عبد الرحمن بن خلدون (المؤسس الحقيقي)
يُعتبر "ابن خلدون" (١٣٣٢-١٤٠٦م) المؤسس الحقيقي لعلم الاجتماع، وإن سماه "علم العمران البشري". لم يكن مجرد ناقل للأخبار، بل كان مفكراً نقدياً استند في دراساته على الملاحظة والمعايشة المباشرة.
نشأته ودعوته لعلم جديد
نشأ ابن خلدون في تونس، وعاش حياة مليئة بالتقلبات السياسية، حيث عمل قريباً من الحكام والسلاطين، وتقلد مناصب عليا كالقضاء والوزارة. هذه الخبرة السياسية والعملية، إلى جانب عقليته الفذة وقوة ملاحظته، جعلته يدرك أن "التاريخ" في ظاهره أخبار، ولكن في باطنه "قوانين" تحكم حركة المجتمعات.
وجد ابن خلدون أن كتب التاريخ مليئة "بالمغالطات والأكاذيب"، فدعا إلى ضرورة وجود علم جديد ومستقل مهمته "تصحيح" أخبار المؤرخين. هذا العلم الجديد هو "علم العمران البشري" (أي علم الاجتماع).
دعائم علم العمران عند ابن خلدون
وضع ابن خلدون أسس هذا العلم الجديد بشكل واضح:
- موضوع علم العمران: هو "الاجتماع الإنساني" (أي المجتمع) وما يعرض له من ظواهر اجتماعية (مثل نشأة الدول، أسباب انهيارها، أشكال المدن والقبائل).
- منهج البحث: أكد ابن خلدون على ضرورة استخدام "المنهج العلمي" القائم على "الملاحظة" و "المقارنة" بين الظواهر، و "المنهج التاريخي" لتحليل الأحداث، وعدم قبول أي خبر إلا بعد عرضه على "قوانين الاجتماع".
- أهداف علم العمران: كان له هدفان:
- هدف نظري: الكشف عن القوانين (الطبيعة) التي تحكم الظواهر الاجتماعية، سواء في استقرارها (الاستاتيكا الاجتماعية) أو في تغيرها (الديناميكا الاجتماعية).
- هدف تطبيقي (فني): الاستفادة من هذه القوانين في "تصحيح" وقائع التاريخ وفهمها فهماً سليماً.
(سؤال مقالي):
"لم يكتفِ ابن خلدون بسرد أحداث التاريخ، بل سعى لفهمها فهماً علمياً".
في ضوء هذه العبارة، وضح الهدف الأساسي الذي دفع ابن خلدون لتأسيس "علم العمران البشري"؟
ثانياً: أوجست كونت (واضع علم الاجتماع الحديث)
يُعتبر "أوجست كونت" (١٧٩٨-١٨٥٧م) هو العالم الفرنسي الذي صاغ مصطلح "علم الاجتماع" (Sociology) الحديث، وكانت دعوته لهذا العلم نابعة من رغبته في إصلاح الفوضى التي عانت منها فرنسا.
الظروف التي مهدت لظهوره
عاش "كونت" في فترة فوضى واضطرابات كبرى أعقبت "الثورة الفرنسية". لاحظ "كونت" وجود "ازدواجية في التفكير" لدى الناس:
- في التعامل مع **الظواهر الطبيعية** (مثل الفيزياء والكيمياء): يستخدم الناس "الأسلوب الوضعي" (العلمي التجريبي).
- في التعامل مع **الظواهر الاجتماعية** (مثل السياسة والأخلاق): ما زالوا يستخدمون "الأسلوب الديني والفلسفي" (التأملي غير التجريبي).
رأى "كونت" أن هذه الازدواجية هي سبب الفوضى، وأن الإصلاح لن يتم إلا بتوحيد الفكر.
دعائم علم الاجتماع عند كونت
دعا "كونت" إلى ضرورة "تعميم الأسلوب الوضعي" ليشمل دراسة الظواهر الاجتماعية، وتأسيس علم جديد مستقل هو "علم الاجتماع".
- موضوع علم الاجتماع: هو دراسة "الظواهر الاجتماعية" (تماماً كما يدرس علم الأحياء الكائنات الحية).
- منهج البحث: هو "المنهج الوضعي" (العلمي)، القائم على "الملاحظة" و "التجربة" و "المقارنة" و "المنهج التاريخي".
- أهداف علم الاجتماع: كان لـ "كونت" هدفان:
- هدف نظري: التوصل إلى "القوانين" التي تحكم المجتمع (قوانين الثبات وقوانين الحركة والتغير).
- هدف تطبيقي: استخدام هذه القوانين لإصلاح المجتمع، والتنبؤ بمستقبله، والمساهمة في استقراره وتقدمه.
اختر الإجابة الصحيحة:
كان الدافع الأساسي وراء دعوة "أوجست كونت" لتأسيس علم الاجتماع هو دافع...
(أ) نظري بحت يهدف للمعرفة فقط.
(ب) إصلاحي عملي يهدف لحل مشكلات المجتمع.
(ج) فلسفي تأملي يهدف للبحث في الماورائيات.
(د) تاريخي يهدف لتصحيح التاريخ.
ثالثاً: إميل دوركايم (مؤسس المنهجية)
يُعتبر "إميل دوركايم" (١٨٥٨-١٩١٧) هو الرائد الذي رسخ القواعد المنهجية لعلم الاجتماع، ونقله من مرحلة التأسيس الفلسفي (عند كونت) إلى مرحلة النضج العلمي.
دعائم علم الاجتماع عند دوركايم
حدد "دوركايم" موضوع ومنهج علم الاجتماع بدقة:
- موضوع علم الاجتماع: هو دراسة "الظواهر الاجتماعية" (أو النظم الاجتماعية) مثل الأسرة، الدين، التربية، القانون، والأخلاق.
- قواعد المنهج: وضع "دوركايم" قواعد صارمة لدراسة هذه الظواهر، أهمها:
- دراسة الظواهر الاجتماعية كـ "أشياء": وهي أهم قاعدة. وتعني أن على الباحث أن يدرس الظاهرة (مثل الطلاق) بموضوعية، كما يدرس العالم "شيئاً" خارجياً، دون أن يدخل آراءه الشخصية أو مشاعره المسبقة في الدراسة.
- تفسير الظاهرة بالظاهرة: يجب تفسير الظواهر الاجتماعية بظواهر اجتماعية أخرى (مثل تفسير الجريمة بالبطالة)، وليس بعوامل نفسية أو بيولوجية فردية.
- تحديد وظيفة الظاهرة: البحث عن "الوظيفة" التي تؤديها الظاهرة في بناء واستقرار المجتمع.
التضامن الاجتماعي (الآلي والعضوي)
أحد أهم إسهامات "دوركايم" هو دراسته لـ "التضامن الاجتماعي" (أي الروابط التي تجمع أفراد المجتمع). وقد ميز بين نوعين من التضامن:
- التضامن الآلي: يوجد في المجتمعات "التقليدية" أو "البسيطة" (مثل القرية أو القبيلة). في هذا النوع، يكون الناس متشابهين جداً في أفكارهم وقيمهم (لأن تقسيم العمل بسيط)، والترابط يأتي من هذا "التشابه" القوي (الضمير الجمعي).
- التضامن العضوي: يوجد في المجتمعات "الحديثة" أو "المعقدة" (مثل المدينة الصناعية). في هذا النوع، يكون الناس "مختلفين" ومتخصصين جداً (تقسيم عمل معقد). والترابط هنا يأتي من "الاختلاف" نفسه، حيث "يحتاج كل فرد إلى تخصص الآخرين" للبقاء، تماماً كأعضاء الجسد الواحد الذي يتكامل فيه القلب مع الرئة.
(سؤال مقالي):
أصر "دوركايم" على أن "الظواهر الاجتماعية يجب أن تُدرس كأشياء".
اشرح هذه القاعدة المنهجية، موضحاً ما الذي كان يهدف إليه "دوركايم" من ورائها؟