نشأة علم النفس وتطوره

اهتم فلاسفة اليونان الكبار (مثل سقراط وأفلاطون وأرسطو) بفهم طبيعة النفس البشرية وأصلها ومصيرها.

ربط هؤلاء الفلاسفة بين "النفس" (أو الروح) وبين "السلوك"؛ فاعتقدوا أن النفس هي مصدر السلوك، وأنها هي التي تحرك الجسد وتمنحه القدرة على الإحساس والتفكير والحركة.

مثال: كانوا يرون أن فهم الإنسان لأحلامه أو دوافع غضبه يبدأ من فهم طبيعة "روحه".

يُعتبر العالم الألماني "فيلهلم فونت" هو المؤسس الحقيقي لعلم النفس التجريبي، لأنه نقل البحث فيه من التأمل الفلسفي إلى التجربة المعملية.

أهم إسهامات فونت:

• إنشاء أول معمل تجريبي: أسس "فونت" أول معمل لعلم النفس التجريبي في العالم في جامعة "ليبزيج" بألمانيا عام ١٨٧٩م.
• تحديد موضوع علم النفس: رأى "فونت" أن موضوع علم النفس هو دراسة "الوعي" أو "الشعور" (ما يشعر به الإنسان ويدركه).
• تأسيس مجلة علمية: أسس "مجلة الدراسات الفلسفية" عام ١٨٨١م، والتي كانت في الواقع أول مجلة متخصصة في علم النفس.

لأن "فونت" كان يدرس "الشعور" (وهو تجربة داخلية ذاتية)، فقد اعتمد على منهج يُسمى "الاستبطان المنظم".

الاستبطان: هو أن يقوم الشخص (المفحوص) بوصف مشاعره وأفكاره وخبرته الشعورية بنفسه عندما يتعرض لمثير معين. (مثال: أن تصف شعورك بالضبط عند سماعك لنغمة حزينة).

رأى العلماء في هذه المرحلة أن علم النفس يجب أن يكون له موضوع ومنهج خاص به:

• الموضوع: هو "السلوك الظاهري" (Overt Behavior)، أي ما يمكن ملاحظته وقياسه بشكل مباشر (مثل الضحك، البكاء، الكلام، المشي).
• المنهج: هو "الملاحظة" و "التجربة" الموضوعية للسلوك.

أدى هذا الاستقلال إلى ظهور عدة "مدارس" أو اتجاهات، كل منها يحاول تفسير السلوك الإنساني من زاوية مختلفة.

المؤسس: أسسها "فونت"، ونقلها تلميذه "تتشنر" إلى أمريكا.

الموضوع: رأت أن علم النفس يجب أن يدرس "الخبرة الشعورية الداخلية" (ما يدور داخل عقل الإنسان من أفكار ومشاعر).

المنهج: استخدمت منهج "الاستبطان" (تأمل الذات) لتحليل الخبرة الشعورية إلى عناصرها الأولية (مثل الوعي والتفكير والمعرفة).

المؤسس: العالم الأمريكي "جون واطسن".

الموضوع: جاءت كرد فعل على "البنائية". رفضت "واطسن" دراسة الشعور (لأنه شيء داخلي لا يمكن ملاحظته)، وأكدت أن موضوع علم النفس يجب أن يكون "السلوك الظاهري" فقط، أي ما يمكن ملاحظته وقياسه (مثل استجابات الفرد للمثيرات).

المنهج: استخدمت "الملاحظة الموضوعية الخارجية" كمنهج أساسي.

أكد "فرويد" أن السلوك الظاهري ليس هو القصة الكاملة، بل إن ما يحرك الإنسان هو قوى داخلية خفية.

الموضوع: هو "دوافع اللاشعور" (Unconscious Motives). رأى فرويد أن السلوك الظاهري (ما نفعله) والسلوك الشعوري (ما نفكر فيه) تحركهما دوافع وغرائز لا واعية (مخزنة في اللاشعور) لا ندركها.

شدد فرويد على أن "مرحلة الطفولة المبكرة" (السنوات الخمس الأولى) هي أهم مرحلة في تكوين شخصية الفرد، وأن الصراعات والخبرات في هذه المرحلة هي التي تحدد ملامح شخصيته في المستقبل.

"الجشطالت" كلمة ألمانية تعني "الصيغة" أو "الشكل الكلي".

الموضوع: ركزت هذه المدرسة على "الإدراك الكلي". أكد مؤسسوها أننا ندرك الأشياء كـ "وحدات كلية" وليس كـ "مجموعات جزئية" منفصلة.

المبدأ الأساسي: "الكل أكبر من مجموع أجزائه". (مثال: عندما نرى وجهاً، ندركه كـ "وجه" أولاً، وليس كـ "مجموعة من عين وأنف وفم" ثم نجمعها).

جاءت هذه المدرسة لتؤكد على أهمية ما تتوسط بين "المثير" و "الاستجابة".

الموضوع: هو "العمليات العقلية المعرفية". أي كيف يستقبل الإنسان المثيرات (المعلومات)، وكيف يقوم "عقله" بمعالجتها وتفسيرها (عبر عمليات مثل الانتباه، والإدراك، والتذكر) قبل أن يصدر استجابة سلوكية.