شرح درس البيئة نظامها ومواردها | جغرافيا ثانيه ثانوي

شرح درس: البيئة نظامها ومواردها

يُعد هذا الدرس مدخلاً أساسياً لفهم "جغرافية التنمية"، حيث يبدأ بتعريف المفهوم الأوسع وهو "البيئة". البيئة هي الوسط المحيط بالإنسان، والذي يؤثر فيه ويتأثر به.

تشمل البيئة كافة الجوانب الطبيعية (الغلاف الجوي، المائي، الصخري) والجوانب البشرية (المجتمع، الاقتصاد، الثقافة). يتناول هذا الدرس تطور علاقة الإنسان بهذه البيئة عبر أربع مراحل تاريخية، والنظريات التي فسرت هذه العلاقة، ثم يستعرض مفهوم "الموارد" وكيفية تصنيفها.

مراحل تطور علاقة الإنسان بالبيئة

لم تكن علاقة الإنسان بالبيئة ثابتة، بل مرت بأربع مراحل رئيسية، تطور فيها تأثير الإنسان وتأثره بالبيئة المحيطة به.

المرحلة الأولى: (البدايات)

في هذه المرحلة الأولى، عاش الإنسان حياة بدائية متنقلة. كان نشاطه الرئيسي هو "الجمع والالتقاط" و "الصيد" لتوفير متطلباته الأساسية.

أثر الإنسان: كان تأثير الإنسان على البيئة "محدوداً جداً ويكاد ينعدم".

أثر البيئة: كانت البيئة هي "المسيطرة" بالكامل على الإنسان، وعاش الإنسان في حالة "استسلام" شبه كامل لتقلباتها القاسية.

المرحلة الثانية: (الزراعة والاستقرار)

بدأت هذه المرحلة مع اكتشاف الإنسان لـ "الزراعة" وتعلمه استئناس الحيوان. أدى ذلك إلى "الاستقرار" البشري حول الأنهار، ونشأة القرى والمدن.

أثر الإنسان: هنا بدأ الإنسان "يؤثر" في البيئة بشكل محدود، فقام بـ "ضبط مياه الأنهار" و "شق القنوات".

النتيجة: يعتبر هذا أول تفاعل إيجابي منظم من الإنسان مع البيئة، ولكنه أيضاً شهد بداية ظهور "النفايات" البشرية الناتجة عن الاستقرار.

المرحلة الثالثة: (الثورة الصناعية)

بدأت هذه المرحلة في منتصف القرن الثامن عشر مع "الثورة الصناعية" في أوروبا، وتميزت باستخدام "الآلات" و "مصادر الطاقة الحفرية" مثل الفحم والبترول.

أثر الإنسان: في هذه المرحلة بدأ "التأثير السلبي" للإنسان على البيئة يظهر بوضوح.

النتيجة: ظهرت مشكلات بيئية خطيرة، أهمها "التلوث" بجميع أنواعه.

المرحلة الرابعة: (التكنولوجيا المعاصرة)

هي المرحلة التي نعيشها حالياً (بدأت من النصف الثاني للقرن العشرين)، وتميزت بتقدم تكنولوجي هائل في "الحاسبات" و "الاتصالات".

أثر الإنسان: "تعاظم" وتفاقم تأثير الإنسان السلبي على البيئة، وأصبحت المشكلات عالمية.

النتيجة: ظهرت أخطر المشكلات البيئية، مثل "الاحتباس الحراري"، و "التلوث النووي"، و "استنزاف الموارد الطبيعية".

رد الفعل: كنتيجة لهذا التدهور، بدأ "الوعي البيئي" في الظهور، ودعت المنظمات الدولية إلى "التنمية المستدامة" لمحاولة الحفاظ على البيئة.

النظريات المفسرة لعلاقة الإنسان بالبيئة

حاول الجغرافيون والعلماء تفسير طبيعة العلاقة بين الإنسان وبيئته من خلال ثلاث نظريات رئيسية.

النظرية الحتمية البيئية (الجغرافية)

المضمون: تؤمن هذه النظرية بأن "البيئة هي المسيطر" وأن الإنسان "خاضع" لها. أي أن البيئة بظروفها المناخية والتضاريسية تفرض على الإنسان نمط معيشته ونشاطه الاقتصادي.

النقد: هذه النظرية تم تجاهلها، لأنها تجاهلت دور "التكنولوجيا" التي مكنت الإنسان من التغلب على الكثير من العوائق البيئية (مثل بناء السدود للتحكم في الفيضانات).

النظرية الإمكانية (الاحتمالية)

المضمون: ظهرت هذه النظرية كرد فعل على "الحتمية". تؤمن بأن "الإنسان هو المسيطر" وأن له "إرادة فعالة" في التأثير على بيئته وتغييرها.

مثال: الحضارة المصرية القديمة وبناء السد العالي كدليل على قدرة الإنسان على السيطرة على نهر النيل.

النقد: بالغت هذه النظرية في تقدير قدرة الإنسان، وتجاهلت أن للبيئة أحياناً قيوداً صارمة لا يمكن تجاوزها (مثل الكوارث الطبيعية).

النظرية التوافقية (الوسطية)

المضمون: هي النظرية الأكثر قبولاً، وهي حل وسط بين النظريتين. تؤمن بأن العلاقة بين الإنسان والبيئة هي علاقة "تأثير وتأثر متبادل".

فالإنسان يؤثر في البيئة ويتطور بتكنولوجيته، وفي نفس الوقت تفرض عليه البيئة بعض القيود التي يجب أن يتوافق معها.

النظام البيئي والتوازن البيئي

البيئة التي نعيش فيها هي "نظام بيئي" متكامل ومتوازن.

مفهوم النظام البيئي

"النظام البيئي" هو منظومة متكاملة تتكون من "كائنات حية" (إنسان، حيوان، نبات) و "مكونات غير حية" (ماء، هواء، طاقة شمسية، تربة).

هذه المكونات توجد في حيز مكاني معين وتتفاعل مع بعضها بشكل "ديناميكي" (مستمر) ودقيق، مما يؤدي إلى "التوازن البيئي".

مدخلات ومخرجات النظام البيئي

يستقبل النظام البيئي "مدخلات" (Inputs) مثل الطاقة الشمسية والمياه والأمطار.

ويقوم بتحويلها عبر سلسلة من العمليات، ثم ينتج "مخرجات" (Outputs) مثل تحلل الكائنات الميتة أو الإشعاع الأرضي. عندما تكون المدخلات والمخرجات في حالة توازن، يستمر النظام البيئي في العطاء.

(تعليل) أسباب اختلال التوازن البيئي

حدث اختلال التوازن البيئي بسبب تدخل الإنسان غير الرشيد في البيئة، خاصة بعد "الثورة الصناعية".

أهم أسباب الاختلال:

  • التلوث: مثل تلوث الهواء بعوادم المصانع، وتلوث المياه بالنفط والنفايات.
  • الصيد الجائر: القضاء على أنواع من الحيوانات والطيور البحرية.
  • استنزاف الموارد: الإفراط في قطع الغابات، واستنزاف المعادن ومصادر الطاقة.
  • إدخال كائنات جديدة: إدخال كائن حي إلى بيئة جديدة أو إخراجه منها، مما يدمر السلسلة الغذائية المتوازنة.

مفهوم الموارد وتصنيفها (حسب المصدر)

"الموارد" هي الثروات التي اكتشفها الإنسان وأدرك أهميتها، وتمكن من استغلالها لصالحه. وتنقسم الموارد حسب مصدرها إلى نوعين:

الموارد الطبيعية

هي الموارد التي توجد في الطبيعة "دون تدخل من الإنسان" في وجودها، وهي هبة من الله.

تشمل: الغلاف الجوي (الهواء)، والغلاف المائي (المياه)، والغلاف الصخري (المعادن ومصادر الطاقة)، والغلاف الحيوي (النبات الطبيعي والحيوان البري).

الموارد البشرية

هي كل ما يقوم به الإنسان من أنشطة ومهارات ناتجة عن جهده وعقله.

تشمل: المهارات، والخبرات، والتكنولوجيا، ووسائل الإنتاج، والمباني، والطرق، وكل ما أنتجه الإنسان من "أشكال العمران" و "وسائل تكنولوجية".

تصنيف الموارد (حسب الانتشار)

يمكن أيضاً تصنيف الموارد الطبيعية حسب مدى انتشارها وتوافرها على سطح الأرض.

موارد واسعة الانتشار

هي موارد موجودة في كل دول العالم تقريباً، ويمكن لأي إنسان الحصول عليها دون أي جهد يُذكر.

أمثلة: الهواء، وأشعة الشمس.

موارد متوسطة الانتشار

هي موارد تختلف أهميتها وانتشارها من منطقة لأخرى، وتكون محدودة نسبياً.

أمثلة: التربة الزراعية، الغابات، المراعي، الثروة السمكية.

موارد محدودة الانتشار

هي موارد يتركز وجودها في مناطق معينة من العالم، ويقل وجودها في مناطق أخرى.

أمثلة: موارد المياه العذبة، ومعظم المعادن (مثل الحديد والنحاس)، ومصادر الطاقة (مثل البترول والغاز الطبيعي).

موارد محدودة الانتشار جداً

هي موارد نادرة جداً تتركز في دول أو أماكن قليلة ومحددة على الخريطة.

أمثلة: الألماس (يتركز في الكونغو وجنوب أفريقيا)، والنترات (في شيلي)، والزئبق (في إسبانيا)، والنيكل (في كندا).

دور الجغرافيا في الحفاظ على التوازن البيئي

أمام هذا الاختلال البيئي، يبرز دور "جغرافية التنمية" كأداة رئيسية لإدارة الموارد وحماية البيئة.

دور جغرافية التنمية

تقوم جغرافية التنمية بـ "رصد التعديات البيئية" وأشكال الاختلال، و "رسم خرائط" توضح التغيرات التي طرأت على البيئة (مثل تآكل الشواطئ أو انحسار الغابات).

وبناءً على هذا الرصد، تقوم بـ "وضع استراتيجيات شاملة" تهدف إلى حماية البيئة، وإعادة توازنها، والحفاظ على حقوق الأجيال القادمة، وهو ما يُعرف بـ "التنمية المستدامة".