شرح أساليب الفكر الإنساني - فلسفه ومنطق أولى ثانوي
الفصل الأول أساليب التفكير الإنساني
الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يعبر عن تفكيره بسلوك واعٍ وطرق منظمة. لكن الطريقة التي يعبر بها الإنسان عن تفكيره ليست واحدة، بل تختلف وتتنوع. هذا التنوع يُعرف بـ "أساليب التفكير".
"أسلوب التفكير" هو الطريقة المختلفة التي يعبر بها الإنسان عن تفكيره، أو النمط الذي يستخدمه لمعالجة المعلومات وحل المشكلات. تختلف هذه الأساليب من شخص لآخر ومن عصر لآخر، بناءً على المستوى الثقافي والعلمي ومدى النضج العقلي. في هذا الدرس، سنتعرف على أهم أساليب التفكير التي يستخدمها البشر لتفسير العالم من حولهم.
أساليب الفكر الإنساني
هو نمط من التفكير البدائي الذي يلجأ إلى تفسير الظواهر والأحداث بأسباب غير حقيقية، وساذجة، وغير منطقية.
خصائص الأسلوب الخرافي
يعتمد هذا الأسلوب على ربط الظواهر بقوى غيبية أو خيالية لا علاقة لها بالواقع. إنه تفكير غير منظم وسطحي، لا يبحث عن الأسباب الحقيقية، بل يكتفي بتفسيرات جاهزة تعتمد على الخيال والأساطير.
مثال: تفسير ظاهرة البرق والرعد بأنها غضب من الآلهة، أو تفسير مرض معين بأنه "لعنة" أو "عمل سحري".
الأسلوب الديني (الإيماني)
هو أسلوب تفكير إيماني يربط كل ما يحدث في الكون بالقدرة الإلهية، ويهدف إلى زيادة إيمان الفرد بالله الخالق.
خصائص الأسلوب الديني
يبحث هذا الأسلوب عن السبب النهائي والأسمى وراء كل ظاهرة، ويرجعه إلى قدرة الله وحكمته. إنه لا يتعارض بالضرورة مع العلم، ولكنه يركز على الجانب الإيماني والروحي للظواهر.
أمثلة:
- تفسير تتابع الليل والنهار بأنه دليل على قدرة الله وتنظيمه المحكم للكون.
- تفسير ظاهرة الكسوف والخسوف بأنها من الآيات الكونية التي تظهر عظمة الله.
- إرجاع ظاهرة إنبات الزرع في الأرض بعد جفافها إلى رحمة الله وقدرته على إحياء الموتى.
الأسلوب الفلسفي (التأملي)
هو أسلوب يتميز بالنزعة العقلية التأملية، ويهدف إلى فهم الحقيقة الكلية والشاملة للعالم.
خصائص الأسلوب الفلسفي
على عكس الأسلوب العلمي الذي يبحث عن "العلل القريبة" (الأسباب المباشرة)، يسعى الأسلوب الفلسفي إلى كشف "العلل البعيدة" (الأسباب النهائية وغير المباشرة) للظواهر.
إنه تفكير "شامل"، يحاول ربط الظواهر الجزئية ببعضها البعض ليصل إلى حقيقة كلية تفسر أصل الوجود ومصيره ومكانة الإنسان فيه.
مثال: ظاهرة نمو النبات لا يتوقف فيها الفيلسوف عند التفسير العلمي (السبب المباشر)، بل يتجاوزه للتساؤل عن أصل الحياة، وماهية النمو، وعلاقة الكائنات ببعضها، وأصل الكون نفسه.
الأسلوب العلمي (الحسي التجريبي)
هو أسلوب التفكير المنظم الذي يبحث عن "الأسباب المباشرة" (العلل القريبة) للظواهر، باستخدام المنهج التجريبي القائم على الملاحظة الحسية والتجربة.
خصائص الأسلوب العلمي
يهدف الأسلوب العلمي إلى الوصول إلى تفسيرات موضوعية وقوانين عامة يمكن التحقق منها. إنه تفكير منطقي ومنظم يهدف إلى فهم الظواهر والتحكم فيها وتسخيرها لخدمة الإنسان.
أمثلة:
- تفسير ظاهرة البرق والرعد بأنها تحدث نتيجة تفريغ الشحنات الكهربائية في السحب.
- تفسير الأطباء لأسباب الأمراض بأنها ترجع إلى جراثيم أو فيروسات محددة.
- اكتشاف العلماء أن سبب تمدد المعادن هو تعرضها للحرارة.
تطور هذا الأسلوب بشكل كبير في العصر الحديث، بفضل التقدم التكنولوجي الذي أتاح أدوات جديدة للقياس والملاحظة الدقيقة، مثل الميكروسكوب والتلسكوب.
مثال شامل: تفسير ظاهرة الزلازل
يمكن فهم الفروق بين الأساليب الأربعة بوضوح عند تطبيقها على ظاهرة واحدة، مثل "الزلازل".
تفسير الزلزال من منظور كل أسلوب
- الأسلوب الخرافي: يفسر الإنسان البدائي الزلزال بأن ثوراً ضخماً يحمل الكرة الأرضية على أحد قرنيه، وعندما يتعب ينقلها إلى القرن الآخر فتحدث الهزة الأرضية.
- الأسلوب الديني: يفسر الزلزال بأنه دليل على قدرة الله المطلقة وتحكمه الكامل في الكون، وقد يكون آية لتذكير الناس بقدرته أو ابتلاءً لهم.
- الأسلوب العلمي: يفسر الزلزال بأنه يحدث نتيجة انكسار الكتل الصخرية في القشرة الأرضية، بسبب تعرضها لضغط شديد، فتتحرر الطاقة المختزنة على شكل هزات أرضية.
- الأسلوب الفلسفي: لا يكتفي الفيلسوف بالتفسير العلمي، بل يتأمل في ظاهرة الزلزال ويربطها ببقية الظواهر الطبيعية (البراكين، تعاقب الليل والنهار...)، ويعتبرها كلها دلالة على الحركة والتغير الدائم في الوجود.