الفصل الثاني نشأة الفلسفة وتعريفها | فلسفه أولى ثانوي 2026
نشأة الفلسفة وتعريفها
يُعد هذا الدرس هو المدخل الحقيقي لعالم الفلسفة. سنتعرف فيه على المعنى الأصلي لكلمة "فلسفة" كما أرادها مؤسسوها الأوائل، ونتتبع جذور نشأتها، بدءاً من الحكمة العملية في حضارات الشرق القديم، وصولاً إلى ميلادها الحقيقي كعلم عقلي نظري في اليونان القديمة.
كما سنستعرض التعريفات الأساسية للفلسفة، سواء كـ "علم كلي" يبحث في أصل الوجود، أو كـ "وجهة نظر" تساعد كل إنسان على فهم حياته والعالم من حوله.
التعريف اللغوي للفلسفة (حب الحكمة)
كلمة "فلسفة" (Philosophy) هي كلمة يونانية قديمة، تتكون من مقطعين:
أصل الكلمة (فيلو - صوفيا)
- فيلو (Philo): وتعني "الحب" أو "الإيثار" أو "التفضيل".
- صوفيا (Sophia): وتعني "الحكمة".
وبذلك، يكون المعنى الحرفي لكلمة "فيلوسوفيا" هو "حب الحكمة".
الفيلسوف فيثاغورث (أول من استخدم اللفظ)
يُعد الفيلسوف اليوناني "فيثاغورث" هو أول من أطلق على نفسه لقب "فيلسوف" (محب للحكمة) بدلاً من "حكيم" (صاحب الحكمة).
وقد رفض فيثاغورث لقب "حكيم" تواضعاً، لأن "الحكمة" في رأيه هي صفة إلهية لا تليق بالبشر، ويكفي الإنسان أن يسعى إليها ويحبها.
ما هي الحكمة؟
الحكمة ليست مجرد معرفة جزئية أو معلومة متفرقة، بل هي "المعرفة الكلية" و "الفهم الشامل" لحقائق الوجود والكون والإنسان. إنها معرفة الرأي السديد (الصواب) والخير، وتطبيق هذه المعرفة في كل جوانب الحياة.
نشأة الفلسفة (الشرق واليونان)
يُرجع المؤرخون البدايات الأولى للفكر الفلسفي إلى حضارات الشرق القديم، ولكن الميلاد الحقيقي للفلسفة كعلم عقلي خالص كان في اليونان.
فجر الفلسفة (في الشرق القديم)
ظهرت في حضارات الشرق القديم العظمى (مثل مصر، وبابل، وآشور، وفارس، والهند، والصين) بدايات أولى لما يمكن تسميته "الفكر الفلسفي".
كان هذا الفكر في الشرق عبارة عن "حكمة عملية" أو "حكمة دينية"، تركزت حول الأخلاق، والدين، وكيفية تسيير أمور الحياة العملية.
الميلاد الحقيقي (في اليونان القديمة)
ظهر الفكر الفلسفي الحقيقي، الذي يتسم بـ "الطابع النظري العقلي الخالص"، لأول مرة عند اليونانيين القدماء، وذلك بين القرنين السادس والرابع قبل الميلاد.
بدأت الفلسفة على يد الفلاسفة الطبيعيين الأوائل (مثل "طاليس") الذين بحثوا بعقولهم عن "أصل الكون" ومادة المواد الأولى، بعيداً عن التفسيرات الأسطورية.
وصلت الفلسفة اليونانية إلى قمة نضجها على يد الفلاسفة الكبار:
- سقراط: ركز على "الإنسان" ومعنى الفضيلة والأخلاق.
- أفلاطون: أسس نظريات شاملة في المعرفة والسياسة والوجود (مثل نظرية المثل).
- أرسطو: نظم الفكر البشري ووضع أسس علم المنطق، وبحث في كل العلوم تقريباً.
كانت الفلسفة عند اليونانيين هي البحث عن "الحقيقة لذاتها"، أي فهم العالم وتفسيره تفسيراً عقلياً شاملاً.
التعريف العام الأول (الفلسفة كعلم كلي)
يُعرف هذا الاتجاه الفلسفة بأنها "أم العلوم" أو "العلم الكلي"، وهو التعريف الذي ساد منذ اليونان وحتى العصر الحديث.
الفلسفة علم العلوم (العلم الكلي)
يُقصد بهذا التعريف أن الفلسفة هي "العلم الكلي الذي يبحث في أصول وغايات الكون والطبيعة والإنسان، وغايته النهائية كشف الحقيقة لذاتها".
ففي حين أن العلوم الأخرى (مثل الفيزياء أو الطب) تدرس موضوعات "جزئية" (مثل الحركة أو الجسم البشري)، كانت الفلسفة تدرس "الوجود" ككل.
البحث عن العلل البعيدة
يهدف هذا الاتجاه إلى البحث عن "العلل البعيدة" أو "المبادئ الأولى" للظواهر، وليس فقط "العلل القريبة" (المباشرة) التي يبحث فيها العلم.
مثال: العالم يفسر "كيف" ينمو النبات (العلة القريبة: الماء والهواء والضوء). أما الفيلسوف فيسأل "لماذا" يوجد نمو من الأساس؟ وما هو "أصل" الحياة؟ (العلة البعيدة).
التعريف العام الثاني (الفلسفة كوجهة نظر)
هذا التعريف يجعل الفلسفة أقرب لحياة كل إنسان، فهي ليست مجرد علم أكاديمي، بل هي نشاط عقلي يمارسه كل فرد.
الفلسفة كرؤية عقلية
يُقصد بهذا التعريف أن الفلسفة هي "وجهة نظر عقلية، أو رؤية فكرية شاملة" تجاه الحياة والإنسان والعالم.
فكل إنسان له فلسفته الخاصة، طالما أنه يفكر تفكيراً نقدياً ويحاول تكوين رأي خاص به في المشكلات التي تواجهه (مثل المشكلات الأخلاقية، الاجتماعية، السياسية، أو الحضارية).
هدف التعريف الثاني
الغاية هنا هي "البحث عن معنى الحياة" ومساعدة الناس على "العيش بوعي". فالفلسفة بهذا المعنى تهتم بالسلوك العملي للفرد ومساعدته على تحديد أهدافه وقيمه الخاصة.
الفلسفة في العصر الحديث (الفلسفة التطبيقية)
الفلسفة اليوم لم تعد تكتفي بالتأمل النظري المجرد، بل أصبحت تهتم بمواجهة القضايا والمشكلات الحياتية المعاصرة.
الفلسفة التطبيقية
نتيجة للتقدم العلمي والتكنولوجي الهائل، ظهرت مشكلات جديدة (مثل الاستنساخ، الهندسة الوراثية، تلوث البيئة)، فظهرت فروع جديدة للفلسفة لمحاولة تنظيم هذه المجالات أخلاقياً وقانونياً.
تُعرف هذه الفروع بـ "الفلسفة التطبيقية"، ومن أمثلتها:
- البيوتيقا (أخلاق الطب والبيولوجيا): تناقش قضايا مثل زراعة الأعضاء، والموت الرحيم، والاستنساخ.
- فلسفة البيئة: تبحث في كيفية تعامل الإنسان مع الطبيعة وحمايتها من التلوث.
- فلسفة العلم: تدرس أسس المنهج العلمي وتطور النظريات.
وهكذا، تظل الفلسفة دائماً هي الضمير الواعي للعصر الذي تعيش فيه.