الفصل الأول التفكير الناقد والتفكير الإبداعي | فلسفه أولى ثانوي 2026
الفصل الأول التفكير الناقد والتفكير الإبداعي
بالإضافة إلى أساليب التفكير الأساسية (كالخرافي، الديني، الفلسفي، والعلمي)، يمتلك الإنسان أنماطاً أرقى وأكثر تعقيداً من التفكير، تساعده ليس فقط على فهم العالم، بل على تقييمه وتطويره.
في هذا الدرس، سنتعرف على نوعين من أهم هذه الأنماط وهما: "التفكير الناقد" الذي يعلمنا كيف نقيم المعلومات ونفحصها، و "التفكير الإبداعي" الذي يعلمنا كيف نأتي بحلول وأفكار جديدة وأصيلة.
أولاً: التفكير الناقد (تعريفه ومهاراته)
التفكير الناقد هو قدرة الشخص على التعرف على الافتراضات، واستخلاص النتائج، وتفسير البيانات، وتقويم الحجج المتعلقة بمشكلة أو قضية ما، للوصول إلى أحكام دقيقة وموضوعية.
مهارة التفسير
هي القدرة على فهم معنى القضية أو المشكلة وتلخيصها. تتطلب القدرة على رد الأشياء إلى أسبابها الحقيقية.
مثال: عندما يحدد الباحث الاجتماعي أن سبب ظاهرة العنف الأسري قد يكون مرتبطاً بالفقر أو الإدمان، فإنه يقوم بـ "تفسير" الظاهرة.
مهارة الاستنتاج (الاستدلال)
هي عملية عقلية ننتقل فيها من "المعلوم" (المقدمات أو البيانات) إلى "المجهول" (النتيجة). أي استخلاص نتيجة منطقية بناءً على ما هو متاح من معلومات.
وينقسم الاستدلال إلى نوعين:
- الاستنباط: وهو الانتقال من قاعدة عامة (الكل) إلى حالة خاصة (الجزء). مثال: "كل المعادن تتمدد بالحرارة" (معلوم)، إذن "الحديد سيتمدد بالحرارة" (مجهول).
- الاستقراء: وهو الانتقال من حالات خاصة (الجزء) إلى قاعدة عامة (الكل). مثال: "الحديد يتمدد، النحاس يتمدد، الذهب يتمدد" (معلوم)، إذن "كل المعادن تتمدد بالحرارة" (مجهول).
مهارة التقويم (تقويم الحجج)
هي القدرة على إصدار حكم حول قيمة الأفكار أو الحجج. تتضمن هذه المهارة فحص الآراء والحجج المقدمة، وتحديد مدى قوتها أو ضعفها، ومدى ارتباطها بالمشكلة، وتمييز الجوانب الإيجابية والسلبية فيها.
مثال: عند الاستماع إلى نقاش حول قضية التلوث، يقوم المفكر الناقد بـ "تقويم" حجة كل طرف، وتحديد أيها أكثر منطقية ومدعوم بالأدلة.
خطوات التفكير الناقد
للوصول إلى حكم دقيق باستخدام التفكير الناقد، يمر الإنسان بخطوات منظمة تساعده على تفكيك المشكلة.
الخطوة الأولى: جمع البيانات والمعلومات
هي الخطوة الأولى والأساسية، وتتمثل في جمع كل المعلومات والبيانات المتاحة حول المشكلة أو القضية من مصادرها المختلفة، لفهم جميع جوانبها.
الخطوة الثانية: فحص الآراء وتحليلها (نقد الآراء)
بعد جمع المعلومات، تبدأ مرحلة تحليل هذه البيانات ونقد الآراء المتعلقة بها، وتحديد مدى صحتها، وتمييز الرأي الموضوعي من الرأي المتحيز أو غير المدعوم بدليل.
الخطوة الثالثة: إصدار الحكم (البرهنة)
هي الخطوة النهائية التي يتم فيها إصدار حكم أو التوصل إلى نتيجة مدعومة بالأدلة والبراهين التي تم فحصها في الخطوات السابقة.
ثانياً: التفكير الإبداعي (تعريفه ومهاراته)
التفكير الإبداعي هو عملية عقلية تهدف إلى اكتشاف علاقات جديدة، ووضع حلول أصيلة وغير تقليدية، وصياغة أفكار جديدة بناءً على عناصر موجودة مسبقاً. إنه تفكير يتسم بالجدة والأصالة.
مهارة الأصالة
"الأصالة" هي القدرة على إنتاج أفكار جديدة، مبتكرة، وغير مألوفة أو شائعة. هي عكس "التقليد". كلما كانت الفكرة نادرة وغير مسبوقة، كلما زادت درجة أصالتها.
مهارة الطلاقة
"الطلاقة" هي القدرة على إنتاج "أكبر عدد ممكن" من الأفكار أو الحلول أو الاستجابات لمشكلة معينة في فترة زمنية محددة. هنا، "الكم" هو المهم وليس "الكيف".
مثال: أن تطلب من شخص ذكر أكبر عدد من الاستخدامات الممكنة لعلبة كرتون فارغة.
مهارة المرونة
"المرونة" هي القدرة على تغيير زاوية التفكير أو الحالة الذهنية بسهولة عند مواجهة مشكلة. هي عكس "الجمود الفكري" أو التمسك بفكرة واحدة.
مثال: القدرة على التفكير في بدائل مختلفة لحل مشكلة ما، وعدم التوقف عند فشل الحل الأول.
مهارة الحساسية للمشكلات
هي مهارة الوعي بوجود مشكلات أو نقاط ضعف في الموقف أو النظام الحالي، حتى لو لم يلاحظها الآخرون. الشخص المبدع يرى "المشكلة" في الأشياء التي تبدو عادية لغيره.
خطوات (مراحل) التفكير الإبداعي
لا يأتي الإبداع فجأة، بل هو عملية تمر بأربع مراحل متتابعة، كما يتضح من قصة "أرشميدس" واكتشافه لقانون الطفو.
مرحلة الإعداد والتهيئة
هي مرحلة جمع البيانات والمعلومات حول المشكلة وفهمها وتحديدها بدقة.
(مثال أرشميدس): تمثلت هذه المرحلة في تحديد المشكلة، وهي: كيف يمكن معرفة ما إذا كان تاج الملك مصنوعاً من الذهب الخالص أم مخلوطاً بالفضة، "دون إتلاف التاج"؟
مرحلة الاحتضان
هي فترة "الكمون" أو "الخمول" الظاهري، حيث يترك العقل الباطن المشكلة لتتفاعل وتختمر. قد يبدو الشخص وكأنه نسي المشكلة، لكن عقله يعالجها في الخلفية.
(مثال أرشميدس): هي الفترة التي قضاها أرشميدس يفكر في المشكلة دون جدوى، ويحاول إيجاد حل.
مرحلة الإشراق (الولادة)
هي اللحظة الحاسمة التي "تنبثق" فيها الفكرة أو الحل فجأة. إنها لحظة "يوريكا!" (وجدتها!).
(مثال أرشميدس): عندما لاحظ أرشميدس أثناء استحمامه أن منسوب الماء ارتفع عند غمر جسمه فيه، أدرك (إشراق) أن حجم الماء المزاح يساوي حجم الجسم المغمور، وأن هذا هو مفتاح الحل.
مرحلة التحقق
هي المرحلة الأخيرة التي يتم فيها اختبار الفكرة الجديدة (التي جاءت بالإشراق) للتأكد من دقتها وقيمتها.
(مثال أرشميدس): قام أرشميدس بـ "التحقق" من فكرته، عن طريق غمر التاج في الماء، وغمر كتلة من الذهب الخالص مساوية له في الوزن، ومقارنة حجم الماء المزاح في الحالتين، ليثبت أن التاج كان مغشوشاً.