جغرافية التنمية ومجالاتها | جغرافيا ثانيه ثانوي
الوحده الأولى جغرافية التنمية ومجالاتها
يُعد مفهوم "التنمية" هو المحور الأساسي لهذا الدرس، وهو يمثل جهوداً منظمة تبذلها أي دولة للوصول إلى مستوى معيشي أفضل. فالتنمية هي عملية تهدف إلى التنسيق بين الإمكانات البشرية والموارد الطبيعية المتاحة لتحقيق أعلى مستويات الدخل القومي ورفاهية الفرد.
هذا المفهوم لم يظهر فجأة، بل تطور عبر الزمن، فانتقل من مجرد التركيز على الاقتصاد إلى مفهوم أشمل يتضمن تنمية البشر، وصولاً إلى المفهوم الأرقى وهو "التنمية المستدامة" التي تضمن حقوق الأجيال القادمة.
تطور مفهوم التنمية (من الاقتصادي إلى المستدام)
بدأ مفهوم التنمية في الستينيات من القرن العشرين، وكان يركز في البداية على جانب واحد فقط، ثم اتسع ليشمل جوانب أوسع.
المرحلة الأولى: التنمية الاقتصادية
في البداية، ظهر مفهوم "التنمية الاقتصادية"، وكان الهدف الأساسي منه هو استثمار الموارد الاقتصادية المتاحة، وحسن توزيع عائداتها (مثل عوائد الزراعة، الصناعة، التعدين).
كان الهدف هو زيادة الثروة الاقتصادية للمجتمع.
المرحلة الثانية: التنمية البشرية
لاحقاً، تطور المفهوم ليشمل الجانب البشري. ظهر مفهوم "التنمية البشرية" الذي يؤكد على أن الإنسان هو محور التنمية وهدفها.
تركز التنمية البشرية على دعم "قدرات الفرد" وتوسيع خياراته، وذلك من خلال الاهتمام بالتعليم، والصحة، والتدريب.
المرحلة الثالثة: التنمية المستدامة
مع تزايد الوعي بقضايا البيئة والمستقبل، ظهر المفهوم الأحدث وهو "التنمية المستدامة".
تعريفها: هي تنمية تهدف إلى "تلبية احتياجات الجيل الحاضر" (من موارد وخدمات)، بشرط "عدم التضحية أو الإضرار بحقوق الأجيال القادمة" في هذه الموارد.
تهدف التنمية المستدامة إلى تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والبشرية من جهة، وحماية البيئة وصيانة الموارد من جهة أخرى (مثل استخدام الطاقة النظيفة، وترشيد استهلاك المياه).
مبادئ التنمية
لكي تنجح أي خطة تنمية، يجب أن تقوم على ثلاثة مبادئ أساسية مترابطة.
مبدأ الشمولية
يجب أن تشمل التنمية "كل جوانب الحياة"، سواء كانت سياسية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، أو ثقافية.
كما يجب أن يشارك فيها "جميع مؤسسات الدولة" (الحكومية والخاصة) والمجتمع المدني.
مبدأ التكامل
يجب أن تهتم التنمية بجميع القطاعات داخل الدولة، وأن تضمن وجود "علاقات تبادلية وتكاملية" بينها.
فمثلاً، لا يمكن تطوير قطاع "التعليم" أو "الصحة" بمعزل عن قطاع "الاقتصاد"، فالتقدم في التعليم والصحة يؤدي إلى تطور اقتصادي، والتطور الاقتصادي يوفر التمويل للتعليم والصحة.
مبدأ الاستدامة
يجب أن تهدف التنمية إلى تحقيق "التوازن" بين الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في الحاضر والمستقبل.
متطلبات التنمية
لا يمكن أن تبدأ التنمية أو تستمر بدون توفر مجموعة من المتطلبات الأساسية التي تضمن نجاحها.
متطلبات سياسية
تتطلب التنمية وجود "استقرار سياسي" كامل للدولة، وتوفير نظام حكم رشيد (حكومة قوية ومستقرة).
متطلبات اقتصادية
تتطلب التنمية توفير "رأس المال" اللازم لتمويل المشاريع، و "الخبرات العلمية والفنية" و "التكنولوجيا المتطورة".
متطلبات اجتماعية
تتطلب التنمية رفع مستوى "التعليم" و "الصحة" بين أفراد المجتمع، وتوفير "الأمن" الاجتماعي.
متطلبات بيئية
تتطلب التنمية "ترشيد استهلاك الموارد الطبيعية" (مثل المياه والطاقة) للحفاظ عليها من الاستنزاف وضمان الاستدامة.
ما هي "جغرافية التنمية"؟
هنا يأتي دور علم الجغرافيا في خدمة التنمية. "جغرافية التنمية" هي فرع من فروع الجغرافيا البشرية.
تعريف جغرافية التنمية
هي علم يختص بـ "دراسة الموارد والإمكانات" المتاحة (الطبيعية والبشرية)، بهدف الكشف عن "معوقات التنمية" (المشكلات التي تمنع استغلال هذه الموارد)، ووضع أفضل الخطط والحلول لتنمية هذه الموارد واستغلالها.
مجالات جغرافية التنمية
تركز جغرافية التنمية على دراسة ثلاثة مجالات رئيسية لتحقيق التنمية الشاملة.
تنمية الموارد البيئية
هو المجال الأول والأهم، ويهدف إلى دراسة الموارد البيئية (مثل الماء، التربة، مصادر الطاقة) وكيفية الحفاظ عليها، وحمايتها من التلوث والاستنزاف، ووضع مؤشرات لضمان استدامتها.
تنمية الموارد الاقتصادية
يهدف هذا المجال إلى "زيادة الإنتاج" و "استخدام موارد جديدة" بهدف زيادة الدخل القومي.
مثال: تطوير أساليب الزراعة لإدخال محاصيل جديدة، أو استخدام التكنولوجيا الحديثة في الصناعة والتعدين لزيادة الإنتاجية.
تنمية الموارد البشرية
يهدف هذا المجال إلى تنمية "القدرات البشرية" وتوظيفها أفضل توظيف.
مثال: توفير فرص التعليم بجميع مراحله، وتوفير برامج التدريب المهني لتأهيل الأفراد لسوق العمل.
التخطيط وعلاقته بجغرافية التنمية
لا يمكن تحقيق التنمية بالعشوائية، بل يجب أن تتم من خلال "التخطيط" العلمي السليم.
ما هو التخطيط؟
"التخطيط" هو أسلوب علمي ومنظم يهدف إلى "تغيير أوضاع راهنة (حالية) غير مرغوب فيها"، أو "تحسين أوضاع راهنة مقبولة" بهدف استغلال الموارد المتاحة لتحقيق أهداف التنمية في المستقبل.
إدارة الموارد
"إدارة الموارد" هي جزء أساسي من التخطيط، وهي عملية منظمة تهدف إلى اتخاذ قرارات مناسبة لاستخدام الموارد المتاحة (طبيعية أو بشرية) لتحقيق الأهداف المنشودة.
العلاقة بين الجغرافيا والتخطيط
العلاقة وثيقة جداً؛ فالتخطيط الناجح يعتمد بشكل أساسي على "البيانات والمعلومات" التي يوفرها علم الجغرافيا.
فالجغرافي هو من يدرس الإمكانات (الموارد الطبيعية والبشرية) ويحدد المشكلات والمعوقات. وبناءً على هذه الدراسة الجغرافية، يستطيع المخطط أن يضع "خطة التنمية" المناسبة.
(تعليل) من الصعب أن نبدأ أي مشروع تنمية ناجح بدون دراسة جغرافية للمكان، لأن هذه الدراسة هي التي تكشف لنا خصائص الإقليم وموارده ومشكلاته.