شرح درس ثورة الشعب المصري وتولية محمد علي | دراسات 3 إعدادي
ثورة الشعب المصري وتولية محمد علي
شهدت مصر بعد خروج الحملة الفرنسية عام ١٨٠١ فترة من الفوضى والاضطرابات والصراعات السياسية. كانت هذه الفترة بمثابة فراغ في السلطة، تنافست عليه ثلاث قوى رئيسية: "العثمانيون"، و "الإنجليز"، و "المماليك".
أراد العثمانيون إعادة بسط نفوذهم، وطمع الإنجليز في السيطرة على وادي النيل، وحاول المماليك استعادة حكمهم القديم. لكن في خضم هذا الصراع، برزت قوة جديدة لم تكن في الحسبان، وهي "قوة الشعب المصري"، التي قادتها الزعامة الشعبية من العلماء والمشايخ.
بروز قوة الشعب المصري وموقف محمد علي
استطاعت قوة الشعب المصري أن تفرض إرادتها في النهاية، وكان لثورة الشعب في مارس ١٨٠٤ دوراً حاسماً في تمهيد الطريق لوصول محمد علي.
(تعليل) أسباب ثورة الشعب في مارس ١٨٠٤
اندلعت الثورة بسبب فرض الولاة العثمانيين والمماليك ضرائب باهظة وإتاوات على الأهالي، مما أدى إلى غضب شعبي عارم.
موقف محمد علي الذكي من الثورة
كان محمد علي قائداً لفرقة الجند الألبانية في مصر. وعندما اندلعت الثورة، خشي أن تصيب الثورة جنوده، فقرر الانحياز للشعب لكسب ثقته وضمان ولاء زعمائه.
قام محمد علي بعدة خطوات ذكية:
- الجهر بالانضمام للعلماء: أعلن انضمامه للعلماء والمشايخ الغاضبين.
- الاختلاط بالأهالي: نزل بجنوده إلى الشوارع واختلط بالأهالي الساخطين.
- التعهد برفع الظلم: تعهد للعلماء بأن يبذل قصارى جهده لرفع الضرائب عن الناس.
- اقتراح حاكم جديد: اقترح تعيين "خورشيد باشا" (محافظ الإسكندرية) والياً على مصر، بدلاً من الوالي العثماني الموجود.
بهذه التصرفات، كسب محمد علي عطف الشعب وثقة زعمائه، الذين نظروا إليه كرجل عادل يكره الظلم.
تولية محمد علي (اجتماع دار المحكمة)
لم ينجح خورشيد باشا في كسب ود الشعب، واستمر في فرض الضرائب، مما أدى إلى تجدد الثورة ضده، ولكن هذه المرة، قرر الشعب اختيار حاكمه بنفسه.
اجتماع دار المحكمة (١٣ مايو ١٨٠٥)
في حدث تاريخي، اجتمع زعماء الشعب من العلماء ونقباء الطوائف في "دار المحكمة" (بيت القاضي)، واتخذوا قرارين تاريخيين:
- عزل خورشيد باشا من ولاية مصر.
- تعيين "محمد علي" والياً على مصر بدلاً منه.
العهود والمواثيق (أول عقد اجتماعي)
لم تكن هذه التولية مطلقة، بل كانت مشروطة. أخذ زعماء الشعب العهود والمواثيق على محمد علي قبل الموافقة على تعيينه.
كانت الشروط هي: "أن يحكم بالعدل، وألا يبرم أمراً (أي لا يتخذ قراراً) إلا بمشورتهم".
يُعد هذا اليوم (١٣ مايو ١٨٠٥) يوماً فاصلاً في تاريخ مصر الحديث، لأنها كانت المرة الأولى التي يُعزل فيها الوالي ويُعين آخر "بإرادة الشعب" وليس بقوة الجيش أو بفرمان من السلطان.
فرمان السلطان العثماني (٩ يوليو ١٨٠٥)
في البداية، رفض خورشيد باشا قرار العزل وحاول المقاومة، لكن زعماء الشعب بقيادة عمر مكرم حاصروا القلعة.
أمام إصرار الشعب، اضطر السلطان العثماني للرضوخ للأمر الواقع، وأصدر فرماناً (أمراً سلطانياً) في ٩ يوليو ١٨٠٥، يتضمن:
- عزل خورشيد باشا.
- تثبيت محمد علي والياً على حكم مصر.
توطيد الحكم: مواجهة التهديدات الخارجية
بمجرد أن أصبح محمد علي والياً، واجه سلسلة من المشكلات والتحديات التي هددت حكمه، وكان عليه التخلص منها لينفرد بالسلطة.
محاولة نقله (فرمان يوليو ١٨٠٦)
لم ترضخ "بريطانيا" بسهولة لتولية محمد علي، لأنها كانت تراه خطراً على مصالحها الاقتصادية.
سعت بريطانيا لإقناع السلطان العثماني بعزل محمد علي، وتعيين حليفها المملوكي "محمد بك الألفي"، أو أي والٍ عثماني آخر.
استجاب السلطان للضغط البريطاني، وأصدر "فرمان يوليو ١٨٠٦" بنقل محمد علي والياً على "سالونيك" في مقدونيا، وتسليم السلطة لوالٍ عثماني آخر جاء مع الأسطول.
موقف الزعامة الشعبية: مرة أخرى، تدخلت الزعامة الشعبية. وقفت بقوة إلى جانب محمد علي، ورفضت فكرة نقله، مما أجبر السلطان العثماني على التخلي عن الفكرة وتثبيت محمد علي في حكم مصر.
حملة فريزر الإنجليزية (مارس ١٨٠٧)
عندما فشلت بريطانيا في التخلص من محمد علي بالطرق الدبلوماسية (الفرمان)، لجأت إلى القوة العسكرية.
انتهزت بريطانيا فرصة تدهور علاقتها بالسلطان، وأرسلت حملة عسكرية بقيادة "فريزر" في مارس ١٨٠٧.
أهداف الحملة:
- احتلال مصر.
- خلع محمد علي من الحكم.
- تولية تابعهم المملوكي "محمد بك الألفي" (الذي كان قد مات قبل وصول الحملة).
نتائج الحملة: فشلت الحملة فشلاً ذريعاً. هُزمت القوات الإنجليزية في "رشيد" و "الحماد" بفضل المقاومة الباسلة للأهالي. اضطر فريزر للانسحاب إلى الإسكندرية، ووافق محمد علي على جلاء الحملة مقابل الإفراج عن الأسرى، ودخل محمد علي الإسكندرية منتصراً.
توطيد الحكم: التخلص من الزعامة الشعبية
أدرك محمد علي قوة "الزعامة الشعبية" (بقيادة عمر مكرم)، فهي التي أوصلته للحكم، وهي التي حمته من فرمان النقل ومن حملة فريزر.
أسباب رغبة محمد علي في التخلص منهم
أراد محمد علي أن ينفرد بالحكم دون أي وصاية أو رقابة شعبية. كان يرى في "القيود" التي فرضها عليه الزعماء عند توليته (الحكم بالعدل والمشورة) عائقاً أمام طموحاته في بناء الدولة الحديثة.
كيف تخلص محمد علي من عمر مكرم؟
أخذ محمد علي يترقب الوقت المناسب، وساعده على ذلك "انقسام" القيادات الشعبية نفسها حول تقدير ومكانة عمر مكرم. بدأ منافسوه يدسون له عند محمد علي.
انتهز محمد علي "الأزمة الاقتصادية" (انخفاض فيضان النيل) عام ١٨٠٨م، واتخذ بعض القرارات لفرض الضرائب. وعندما احتج عمر مكرم، استغل محمد علي الفرصة.
الإجراءات:
- خلع "عمر مكرم" من منصبه في "نقابة الأشراف".
- أبعد "عمر مكرم" ونفاه إلى "دمياط" عام ١٨٠٩.
توطيد الحكم: التخلص من المماليك
بعد التخلص من الزعامة الشعبية، لم يتبق أمام محمد علي سوى "المماليك" لينفرد بالحكم تماماً.
(تعليل) أسباب رغبة محمد علي في التخلص منهم
كان محمد علي يرى المماليك كمصدر دائم للقلق والفوضى، لأنهم يطمعون في استعادة حكمهم للبلاد.
أساليب التخلص من المماليك
اتخذ محمد علي عدة أساليب لكسر شوكتهم:
- حرمانهم من تولي المناصب الرفيعة في الدولة (مثل منصب "مشيخة البلد").
- مطاردتهم في كل مكان لإنهاء قوتهم.
- تدبير "مذبحة القلعة" للقضاء عليهم نهائياً.
مذبحة القلعة (مارس ١٨١١)
جاءت الفرصة عندما كان الجيش المصري يستعد للخروج إلى "الحجاز" للقضاء على "الحركة الوهابية" بأمر من السلطان العثماني.
قام محمد علي بدعوة زعماء المماليك إلى القلعة للاحتفال بخروج الجيش. وبعد انتهاء الاحتفال، حاصرهم جنوده وقتلوهم جميعاً (إلا من ندر منهم).
وبذلك، تخلص محمد علي من آخر منافسيه، وانفرد تماماً بحكم البلاد، ليتفرغ لبناء "مصر الحديثة" على النسق الأوروبي.