الحملة الفرنسية على مصر | دراسات 3 إعدادي

شرح درس: الحملة الفرنسية على مصر (١٧٩٨ - ١٨٠١)

يُعد هذا الدرس فاصلاً في تاريخ مصر الحديث، حيث يتناول الحملة الفرنسية التي جاءت نتيجة للتنافس الاستعماري بين إنجلترا وفرنسا. فبعد الثورة الفرنسية، سعت فرنسا لتعويض ما فقدته من مستعمرات، وتوجيه ضربة لعدوتها اللدودة إنجلترا.

لهذا الغرض، أعد "نابليون بونابرت" حملة عسكرية على مصر، وبقيت هذه الحملة سراً لا يعلم بها إلا قادتها، واتجهت نحو مصر لاحتلالها.

أسباب الحملة الفرنسية وإعدادها

واجهت الحملة الفرنسية (١٧٩٨م) في مصر أوضاعاً سياسية واقتصادية متدهورة تحت الحكم العثماني، وجاءت لأسباب استعمارية واضحة.

أسباب الحملة

كانت الأسباب الحقيقية للحملة تتمثل في:

  • تعويض المستعمرات: رغبة فرنسا في تعويض مستعمراتها التي فقدتها في حروبها مع إنجلترا، بإنشاء مستعمرة فرنسية جديدة في الشرق تكون قاعدتها مصر.
  • قطع طريق الهند: قطع الطريق بين إنجلترا (العدو اللدود لفرنسا) وأكبر وأهم مستعمراتها في الهند.

إعداد الحملة (اصطحاب العلماء)

أعد "نابليون بونابرت" الحملة سراً، وجهز جيشاً ضخماً، ولكنه قام بعمل فريد من نوعه، وهو "اصطحاب مجموعة من العلماء" في مختلف مجالات العلوم والفنون.

(تعليل) سبب اصطحاب العلماء: لم يأتِ العلماء للمشاركة في الحرب، بل جاءوا بهدف:

  • دراسة أحوال مصر من جميع النواحي.
  • كيفية استغلال موارد مصر الاقتصادية.

كما أحضر معه مطبعتين، إحداهما عربية والأخرى فرنسية، لطبع المنشورات للأهالي.

خط سير الحملة

أبحرت الحملة سراً من "ميناء طولون" في فرنسا، واستولت على "جزيرة مالطا" في طريقها، ثم "جزيرة كريت"، لتضليل الأسطول الإنجليزي، قبل أن تتجه مباشرة إلى "ميناء الإسكندرية".

دخول الحملة مصر (الإسكندرية ومعارك المماليك)

بمجرد وصول الحملة للشواطئ المصرية، بدأت أولى مواجهات المقاومة.

منشور نابليون ودخول الإسكندرية

قبل نزول قواته، أرسل نابليون "منشوراً" للأهالي يحاول فيه كسب ودهم. ادعى في هذا المنشور أنه جاء "لمحاربة المماليك" الظالمين، وأنه يهدف لإنشاء "حكومة أهلية" للمصريين. وفي نفس الوقت، هدد بحرق القرى التي تقاومه.

واجهت الحملة مقاومة عنيفة في الإسكندرية من قبل "الأهالي" بقيادة حاكمها السيد "محمد كريم"، ولكن استطاعت القوات الفرنسية الاستيلاء على المدينة واعتقال "محمد كريم" الذي أُعدم رمياً بالرصاص لاحقاً (سبتمبر ١٧٩٨).

معارك المماليك (شبراخيت وإمبابة)

واصلت القوات الفرنسية زحفها نحو القاهرة، فالتقت بقوات المماليك في معركتين فاصلتين:

  • موقعة شبراخيت (في البحيرة): واجه الفرنسيون قوات المماليك بقيادة "مراد بك". انتهت بهزيمة المماليك، وفرارهم جنوباً للدفاع عن القاهرة عند إمبابة.
  • موقعة إمبابة (بالقرب من الجيزة): كانت المواجهة الحاسمة. انتهت بهزيمة ساحقة للمماليك.

نتائج معارك المماليك

كانت نتيجة هزيمة المماليك في إمبابة هي:

  • فرار "مراد بك" إلى الصعيد.
  • فرار "إبراهيم بك" ومعه "الوالي العثماني" إلى الشام.
  • دخول نابليون بونابرت إلى القاهرة في يوليو ١٧٩٨، بعد أن أمّن العلماء والمشايخ في الأزهر على أرواحهم وأموالهم.

موقعة أبي قير البحرية (أغسطس ١٧٩٨)

في الوقت الذي كان نابليون يدخل فيه القاهرة، كان الأسطول الإنجليزي بقيادة "نلسون" يبحث عن الأسطول الفرنسي.

أحداث ونتائج الموقعة

نجح "نلسون" في العثور على الأسطول الفرنسي راسياً في "خليج أبي قير" بالإسكندرية، ودارت معركة بحرية هائلة.

كانت نتائج هذه الموقعة كارثية على مستقبل الحملة الفرنسية:

  • تحطيم الأسطول الفرنسي: تم إغراق وتحطيم الأسطول الفرنسي بالكامل.
  • حصار الشواطئ: قام الأسطول البريطاني بمحاصرة شواطئ مصر الشمالية.
  • قطع الإمدادات: تم القضاء على آمال فرنسا في السيطرة على البحر المتوسط، والأهم، تم "حرمان الحملة في مصر من أي إمدادات" تأتيها من فرنسا.
  • معنويات الجنود: شعر الجنود الفرنسيون بأنهم محاصرون تماماً داخل مصر.
  • توقف التجارة: توقفت حركة التجارة الخارجية لمصر بشكل كامل.

مقاومة الشعب المصري للاحتلال

لم تتوقف مقاومة المصريين بعد هزيمة المماليك، بل اتخذت أشكالاً متعددة.

(ما المقصود بالمقاومة؟) هي رفض الشعوب للاحتلال ومظاهره، ودفع (إخراج) الاحتلال عن البلاد بمختلف الوسائل.

مقاومة أبناء الصعيد

فشلت القوات الفرنسية في إخضاع أهالي الصعيد الذين اتبعوا "حرب المناوشات" والمعارك المتفرقة التي أنهكت قوة الفرنسيين نظراً "لطول الوادي" من الجيزة حتى أسوان.

النتائج: أدت هذه المقاومة الشرسة إلى "تعاظم الشعور الوطني" ونمو "الوعي القومي" تجاه الاحتلال الفرنسي.

ثورة القاهرة الأولى (أكتوبر ١٧٩٨)

المركز: كان "الأزهر الشريف" هو مقراً لقيادة الثورة ضد قوات الاحتلال.

الأسباب:

  • فرض نابليون ضرائب فادحة على المصريين (خاصة بعد تدمير أسطوله وانقطاع الإمدادات).
  • قيام جنود الحملة بتفتيش البيوت بحثاً عن الأموال.
  • هدم أبواب الحارات والمساجد بحجة تحصين القاهرة.

الأحداث: ثار الأهالي ضد الفرنسيين، وامتدت الثورة إلى الأقاليم المجاورة. استخدم الفرنسيون سياسة القمع والإرهاب، وقاموا بـ "دخول الجامع الأزهر بخيولهم"، مما أثار الشعور الديني والغضب لدى المصريين.

النتائج:

  • إعدام الكثير من الأهالي والثوار.
  • فرض غرامات مالية باهظة على التجار والعلماء.
  • شروع القوات الفرنسية في تحصين مدينة القاهرة.

الحملة الفرنسية على الشام (مارس ١٧٩٩)

بعد استقرار نسبي في القاهرة، واجه نابليون عدواً جديداً، مما دفعه للقيام بحملة عسكرية خارج مصر.

(تعليل) أسباب حملة الشام

تحالفت "الدولة العثمانية" مع "إنجلترا" و "روسيا" لإخراج الفرنسيين من مصر بالقوة العسكرية. ولتحقيق ذلك، أعدوا حملتين:

  • حملة برية: تتجه إلى مصر عن طريق "الشام" من الشرق.
  • حملة بحرية: تتجه إلى مصر عن طريق "جزيرة رودس" من الشمال (البحر المتوسط).

قرر نابليون أن يتخذ خطوة استباقية، فقام بقيادة جيشه لمهاجمة "الحملة البرية" العثمانية في الشام قبل أن تصل إلى مصر.

أحداث الحملة (الفشل في عكا)

استولى نابليون في طريقه على "العريش" و "غزة"، ولكنه فشل فشلاً ذريعاً في اقتحام "مدينة عكا" المحصنة.

(تعليل) أسباب الفشل في عكا:

  • مقاومة واستبسال أهالي عكا في الدفاع عن مدينتهم، بقيادة حاكمها "أحمد باشا الجزار".
  • مساعدة الأسطول البريطاني (بقيادة نلسون) لأهالي عكا وإمدادهم بالمؤن والذخائر عن طريق البحر.

النتائج: فشل نابليون في حملته على الشام، واضطر للعودة إلى مصر.

موقعة أبي قير البرية (يوليو ١٧٩٩)

أثناء عودة نابليون من الشام، كانت "الحملة البحرية" العثمانية قد وصلت إلى "أبي قير". فتوجه إليهم نابليون واشتبك معهم في معركة برية.

النتائج: انتصار القوات الفرنسية وهزيمة القوات العثمانية هزيمة ساحقة.

نهاية الحملة وجلاؤها (عهد كليبر ومينو)

بعد موقعة أبي قير البرية، قرر نابليون العودة سراً إلى فرنسا، بسبب تدهور الأوضاع العسكرية هناك، وترك قيادة الحملة في مصر لنائبه "كليبر".

عهد كليبر (١٧٩٩ - ١٨٠٠)

كان "كليبر" من أنصار "الرحيل" عن مصر، حيث أدرك استحالة بقاء الحملة.

(تعليل) أسباب رغبة كليبر في الرحيل:

  • تناقص أعداد الجيش الفرنسي بسبب المعارك الداخلية والخارجية.
  • إرسال الدولة العثمانية حملات جديدة إلى العريش ودمياط.
  • عودة المماليك للمقاومة مرة أخرى.
  • تجدد ثورات المصريين في الشرقية والدلتا.

معاهدة العريش (١٨٠٠): تفاوض كليبر مع الدولة العثمانية للرحيل على نفقة الدولة العثمانية. لكن "الحكومة البريطانية" تدخلت ورفضت الاتفاق، وأصرت على أن يسلم الفرنسيون أنفسهم "كأسرى حرب". رفض كليبر هذا الشرط المهين، وهاجم القوات العثمانية وأعادها إلى الشام.

ثورة القاهرة الثانية (مارس ١٨٠٠)

استغل المصريون فرصة انشغال كليبر بمحاربة العثمانيين، وقاموا بثورة عارمة بزعامة السيد "عمر مكرم" (نقيب الأشراف).

النتائج: نجحت القوات الفرنسية في إخماد الثورة في القاهرة والوجه البحري، بينما تم الاتفاق مع "مراد بك" على إخماد ثورة الصعيد مقابل أن يحكمه.

اغتيال كليبر: بعد هدوء الأوضاع، قُتل "كليبر" في يونيو ١٨٠٠ على يد "سليمان الحلبي"، وهو طالب سوري كان يدرس في الأزهر.

عهد مينو (١٨٠٠ - ١٨٠١)

تولى "مينو" قيادة الحملة بعد كليبر. وعلى عكس كليبر، كان "مينو" ينوي البقاء في مصر وتحويلها إلى مستعمرة فرنسية كبرى.

لذلك، وضع "مينو" خطة إصلاحية شاملة عُرفت بـ "مشروع مينو العظيم" في مجالات الزراعة والصناعة والتجارة والصحة والقضاء.

جلاء الحملة (سبتمبر ١٨٠١)

لم يدم مشروع مينو طويلاً، حيث أرسلت "إنجلترا" أسطولاً حربياً إلى أبي قير في فبراير ١٨٠١، وانضم إليه جيش عثماني.

لم تستطع القوات الفرنسية المقاومة، واستسلمت وتم توقيع اتفاق الجلاء. رحلت الحملة الفرنسية عن مصر في سبتمبر ١٨٠١.

نتائج الحملة الفرنسية على مصر

على الرغم من أن الحملة كانت احتلالاً عسكرياً، إلا أنها تركت نتائج بعيدة المدى أثرت في تاريخ مصر الحديث.

النتائج السياسية (نمو الروح القومية)

أيقظت الحملة "الروح القومية" لدى المصريين. ظهر ذلك واضحاً في مقاومتهم للاحتلال وثوراتهم.

وبعد خروج الحملة، تمسك المصريون بحقهم في الحرية واختيار حاكمهم، وهو ما مهد الطريق لاحقاً لاختيار "محمد علي" والياً على مصر.

النتائج السياسية (نظام الحكم والإدارة)

لفتت الحملة أنظار العالم الغربي (خاصة إنجلترا) إلى أهمية "موقع مصر الجغرافي والاستراتيجي".

أنشأ نابليون "الدواوين" (مثل الديوان العام وديوان القاهرة)، بهدف تدريب الأعيان والعلماء المصريين على نظام "مجالس الشورى" والاستشارة، مما كان له أثر إيجابي في تطور الحياة السياسية لاحقاً.

النتائج العلمية (الأعمال الكبرى)

تُعد هذه أهم نتائج الحملة، بفضل العلماء الذين رافقوا نابليون.

  • محاولة شق قناة السويس: قام العلماء بدراسة مشروع توصيل البحرين الأحمر والمتوسط، (وإن لم يُنفذ المشروع وقتها بسبب خطأ في حسابات مستوى مياه البحرين).
  • تأليف كتاب "وصف مصر": وهو أول وأعظم موسوعة حديثة عن مصر، سجلت كل تفاصيل تاريخها وجغرافيتها وحضارتها.
  • اكتشاف "حجر رشيد": تم اكتشافه عام ١٧٩٩، ومكن العالم الفرنسي "شامبليون" من فك رموز اللغة المصرية القديمة، مما فتح الباب أمام العالم كله للتعرف على التاريخ الفرعوني.

النتائج الاقتصادية والاجتماعية

وضعت الحملة (خاصة في عهد مينو) بعض المشروعات للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، مثل:

  • الزراعة: الاهتمام بتنويع المحاصيل الزراعية ومشاريع الري.
  • الصناعة: إنشاء مصانع للنسيج، والدباغة، وحروف الطباعة.
  • الصحة العامة: إنشاء المحاجر الصحية في القاهرة والعديد من المدن الأخرى.