شرح درس مصر بين الممالك والعثمانيين - دراسات 3 إعدادي

مصر بين المماليك والعثمانيين

في أواخر القرن الخامس عشر وأوائل القرن السادس عشر الميلادي، شهد العالم الإسلامي صراعاً حاداً بين ثلاث قوى رئيسية: الدولة المملوكية (ومركزها مصر)، والدولة الصفوية (ومركزها إيران)، والدولة العثمانية (ومركزها الأستانة).

هذا الدرس يتناول كيف نجحت الدولة العثمانية بقيادة السلطان سليم الأول في حسم هذا الصراع لصالحها، وقضت على الدولتين الأخريين، وحولت مصر من دولة مستقلة كبرى إلى مجرد ولاية عثمانية، وفرضت عليها عزلة شاملة أثرت على كافة جوانب الحياة فيها.

الصراع العثماني المملوكي (أسباب احتلال مصر)

في بداية القرن الـ ١٦، اتجه السلطان العثماني "سليم الأول" بفتوحاته نحو الشرق الإسلامي بدلاً من الغرب الأوروبي.

(تعليل) أسباب اتجاه العثمانيين نحو الشرق (مصر والشام)

كان لهذا التوجه سببين رئيسيين:

  • الخطر الأوروبي: أدرك سليم الأول خطورة الصدام مع دول أوروبا في هذا التوقيت، بسبب تفوقها العسكري والحضاري عليه.
  • الرغبة في التوسع: رغب سليم الأول في توسيع ممتلكات الدولة العثمانية في الشرق، عن طريق الاستيلاء على "مصر" التي تمثل "قلب العالم الإسلامي".

ضعف الدولة المملوكية

في هذا التوقيت، كانت الدولة المملوكية (التي تحكم مصر والشام والحجاز) تعاني من ضعف شديد وأزمات طاحنة:

  • أزمات اقتصادية: بسبب اكتشاف البرتغاليين لـ "طريق رأس الرجاء الصالح" عام ١٤٩٨م، والذي حول التجارة بعيداً عن مصر، مما أضعف قوتها الاقتصادية.
  • أزمات سياسية: بسبب "الفتن والثورات الداخلية" والاضطراب الأمني، والصراع المستمر بين المماليك أنفسهم على السلطة.

الاستيلاء على مصر والشام

استغل سليم الأول هذا الضعف، فتوجه بجيشه نحو الدولة المملوكية، والتقى بهم في معركتين حاسمتين:

  • معركة مرج دابق (أغسطس ١٥١٦م): وقعت في الشام بين العثمانيين (بقيادة سليم الأول) والمماليك (بقيادة السلطان الغوري). انتهت بهزيمة ساحقة للمماليك، وأصبحت الشام ولاية عثمانية.
  • معركة الريدانية (يناير ١٥١٧م): وقعت في صحراء العباسية بمصر بين العثمانيين والمماليك (بقيادة طومان باي). انتهت بهزيمة المماليك، ودخول العثمانيين القاهرة، وانتهاء دولة المماليك تماماً في مصر.

أسباب هزيمة المماليك ونتائجها

كانت هزيمة الجيوش المملوكية متوقعة وسريعة أمام القوة العثمانية الصاعدة.

(تعليل) أسباب هزيمة المماليك أمام العثمانيين

  • التفوق العسكري العثماني: اعتمد العثمانيون على أساليب قتال حديثة وأسلحة متطورة، مثل "سلاح المدفعية" و "المشاة المنظمة"، بينما كان المماليك يعتمدون بشكل أساسي على سلاح الفرسان والأسلحة التقليدية.
  • الضعف الداخلي للمماليك: عدم الاستقرار الداخلي، والنزاع المستمر بين قادة المماليك على السلطة، مما أضعف قوتهم العسكرية.

النتائج المترتبة على هزيمة المماليك

أدت هزيمة المماليك إلى تغييرات جذرية في تاريخ المنطقة:

  • تحولت مصر: من دولة مستقلة ومركز للعالم الإسلامي إلى مجرد "ولاية عثمانية" تابعة.
  • انتقال الخلافة: انتقلت خلافة العالم الإسلامي الدينية والسياسية إلى الدولة العثمانية، وأعلن سليم الأول نفسه "الحامي الوحيد للحرمين الشريفين".
  • سيطرة العثمانيين: سيطر العثمانيون على العالم العربي بجناحيه الآسيوي والأفريقي.

ملامح الحياة في مصر: الحياة السياسية (نظام الحكم)

استمر حكم العثمانيين لمصر أربعة قرون متتالية، وكان حكماً "جامداً راكداً"، فرض العثمانيون خلاله "العزلة" على مصر وأبعدوها عن أي مؤثرات حضارية حديثة.

هيئات الحكم العثماني

لم يكن هدف العثمانيين تطوير مصر، بل ضمان تبعيتها للسلطان. لذلك، وضعوا نظام حكم يتكون من عدة هيئات (إدارات) تراقب كل منها الأخرى:

  • الوالي (الباشا): هو نائب السلطان ومقره القلعة، ومدة حكمه قصيرة جداً (من سنة إلى ثلاث سنوات).
  • الديوان (ديوان القاهرة): يتكون من كبار ضباط الحامية العثمانية والموظفين والعلماء، وكانت سلطته مراقبة الوالي، بل وصلت إلى حد عزله.
  • الحامية العثمانية: هي فرق عسكرية تركها السلطان في مصر لحفظ النظام والدفاع عن الولاية.
  • إدارة الأقاليم: أبقى العثمانيون على "المماليك" (البكوات) في منصب حكام الأقاليم، وذلك للاستفادة من خبرتهم الطويلة في إدارة شؤون البلاد والتعامل مع المصريين.

ضعف نظام الحكم (حركة علي بك الكبير)

حمل نظام الحكم العثماني في داخله "عوامل ضعفه".

(تعليل) أسباب ضعف نظام الحكم العثماني

  • قصر مدة حكم الوالي: بسبب قصر مدة حكمه، أهمل الوالي شؤون الولاية وركز فقط على جمع الثروات قبل انتهاء مدته.
  • زيادة سلطة الديوان والحامية: أدت زيادة سلطة الديوان والحامية العسكرية إلى كثرة الصراعات بينهم وبين الوالي.

نتيجة لهذا الضعف، تطلع "البكوات المماليك" (حكام الأقاليم) للانفراد بحكم مصر مرة أخرى.

حركة علي بك الكبير الاستقلالية (١٧٦٨م)

"علي بك الكبير" هو أحد زعماء المماليك، وصل لمنصب "شيخ البلد". استغل فرصة انشغال الدولة العثمانية في حربها مع روسيا عام ١٧٦٨م، وقام بحركة انفصالية كبرى:

  • عزل الوالي العثماني ومنع قدوم غيره.
  • امتنع عن دفع "الخراج" (الضريبة السنوية) للسلطان.
  • ضرب النقود (العملة) باسمه.
  • أخضع الحجاز لنفوذه.
  • أرسل نائبه وقائده العسكري "محمد بك أبو الدهب" لغزو الشام، ونجح في دخول دمشق.

(تعليل) فشل حركة علي بك الكبير

فشلت الحركة بسبب "خيانة" محمد بك أبو الدهب. حيث انحاز أبو الدهب للسلطان العثماني واتفق معه سراً ضد سيده علي بك الكبير.

النتائج: عادت مصر ولاية عثمانية تحت حكم "محمد بك أبو الدهب" (شيخ البلد).

ملامح الحياة في مصر: الحياة الاقتصادية (الزراعة)

تدهورت الأوضاع الاقتصادية في مصر بشكل عام خلال العصر العثماني، بسبب سياسات العزلة وإهمال الدولة.

الزراعة (حق الانتفاع ونظام الالتزام)

تدهورت الزراعة بسبب تطبيق نظامين ظالمين:

  • حق الانتفاع: كانت الأرض كلها ملكاً للدولة العثمانية (ممثلة في السلطان). وكان الفلاحون يُكلَّفون بزراعتها فقط، وليس لهم حق التصرف فيها (لا بيع ولا توريث)، وهذا ما عُرف بـ "حق الانتفاع".
  • نظام الالتزام: هو نظام جمع الضرائب. مع ضعف الدولة العثمانية، لجأت إلى نظام الالتزام، حيث يقوم شخص (الملتزم) بدفع الضرائب عن قرية أو ناحية مقدماً للدولة، ثم يقوم هو بجمعها "أضعافاً مضاعفة" من الفلاحين ليعوض ما دفعه ويحقق أرباحاً.

(تعليل) تدهور الزراعة في العصر العثماني

تدهور الريف المصري بشكل عام بسبب:

  • معاناة الفلاحين: بسبب الظلم والتعسف من "الملتزمين" في جمع الضرائب، وفرضهم للإتاوات.
  • إهمال الحكام: أهمل الحكام (الطبقة الحاكمة) تنظيم الري، أو إقامة السدود، أو حفر الترع.

ملامح الحياة في مصر: الحياة الاقتصادية (الصناعة والتجارة)

لم تكن الصناعة والتجارة أفضل حالاً من الزراعة.

الصناعة

تدهورت الصناعة المصرية بشكل كبير.

(تعليل) أسباب تدهور الصناعة:

  • تدهور الزراعة (المادة الخام).
  • إرسال "أمهر الحرفيين والصناع المصريين" إلى "الأستانة" (عاصمة الدولة العثمانية) بأمر من سليم الأول، مما أفرغ مصر من العمالة الماهرة.

ونتيجة لذلك، أصبحت الصناعات في مصر "يدوية بسيطة ورديئة" تقتصر على الاحتياجات المحلية.

التجارة الداخلية

أصيبت التجارة الداخلية بالكساد والركود.

(تعليل) أسباب كساد التجارة الداخلية:

  • تدهور الزراعة والصناعة.
  • انعدام الأمن.
  • إهمال الطرق البرية.
  • غارات بدو الصحراء المتلاحقة على القوافل التجارية.

التجارة الخارجية

أصيبت التجارة الخارجية أيضاً بالكساد والتدهور.

(تعليل) أسباب تدهور التجارة الخارجية:

  • تحول طريق التجارة بين الشرق والغرب إلى "طريق رأس الرجاء الصالح".
  • "الامتيازات الأجنبية" التي منحتها الدولة العثمانية للدول الأوروبية، والتي سيطر بموجبها التجار الأجانب على التجارة في مصر.

ملامح الحياة في مصر: الحياة الاجتماعية والفكرية

انقسم المجتمع المصري في العصر العثماني إلى طبقات، وعانى من الجمود الفكري والثقافي.

الحياة الاجتماعية (مجتمع طبقي)

انقسم المجتمع إلى فئتين:

  • فئة الحكام: تكونت من "الأتراك" (العثمانيين) و "البكوات المماليك". كانت لهم كل السلطات والثروة، وعاشوا في عزلة اجتماعية تامة عن الشعب.
  • فئة المحكومين (المصريون): انقسمت بدورها إلى:
    • الطبقة الوسطى: وهي شريحة محدودة، تكونت من المشايخ وعلماء الأزهر ورجال الدين وكبار التجار.
    • الطبقة الدنيا: وهم الأغلبية، وتكونت من الفلاحين وصغار الحرفيين وعامة الناس، وعانت من الفقر والظلم وتفشي الأمراض والأوبئة.

الحياة الفكرية والثقافية (الجمود والعزلة)

اتسمت الحياة الفكرية في مصر بـ "الجمود والتخلف".

(تعليل) أسباب تدهور الحياة الفكرية:

  • بسبب "العزلة" التي فرضها العثمانيون على مصر، وأبعدوها عن أي مؤثرات حضارية أو فكرية حديثة (مثل التي كانت تحدث في أوروبا).

النتائج:

  • اهتزت مكانة الأزهر الشريف العلمية، واقتصر التعليم فيه على "علوم الفقه والتشريع" فقط، وتم إهمال "العلوم العقلية" (مثل الرياضيات والطبيعة) و "العلوم الأدبية".
  • تدهورت الحياة الأدبية.
  • انتشر "الجهل" و "الدجل" و "الشعوذة" والخرافات بين الناس.