نظام الرق | علم الإقتصاد
نظام الرق
يتفق الاقتصاديون على أن مرحلة نظام الرق قد توسطت ما بين النظام الاقتصادي البدائي والنظام الإقطاعي. ووجد هذا النظام تطبيقه الكامل في المدن اليونانية القديمة وبلغ أوجه تطوره في عهد الدولة الرومانية.
نطاق تطبيق نظام الرق (الشرق والغرب)
... ولكنه من غير المتفق عليه ما إذا كانت الحضارات المصرية القديمة وحضارة بلاد ما بين النهرين، والهند والصين، قد قامت بدورها على إقتصاد الرق كما عرفته المدن الإغريقية والرومانية أم لا؟
الاتجاه الأول (نفي الرق في الشرق)
فذهب اتجاه إلى القول بأن الحضارات الشرقية القديمة ولاسيما في مصر لم تعرف نظام الرق كما عرفته الحضارة الإغريقية أو الرومانية. وأن نظام الإنتاج الزراعي كان يتولاه في الأصل طبقة الفلاحين الأحرار وهي من عامة الشعب. وكان دور الرقيق فيها ثانوي الأهمية، ويتركز في الخدمات الشخصية.
الاتجاه الثاني (إثبات الرق في الشرق)
أما الحضارات الغربية (الإغريقية والرومانية) فقد كان الإنتاج يعتمد بصفه أساسيه على الرق، لذا كان دوره في الحياة الاقتصادية كبيراً.
أما الاتجاه الثاني فيرى أن الحضارات الشرقية قد عرفت نظام الرق تماماً كما عرفته الحضارات الغربية وذلك على أساس من القاعدة العامة وهي القائلة بتعاقب النظم الاقتصادية والاجتماعية نفسها على المجتمع الإنساني.
الموقف المنطقي (الرق الثانوي في الشرق)
نعتقد بمنطقية الاتجاه الأول حيث لم يلعب الرق سوى دوراً ثانوياً في الحياة الاقتصادية في الحضارات الشرقية القديمة، لاسيما في الحضارة الفرعونية القديمة، فمع التسليم بصحة استخدام الحضارة المصرية القديمة نظام السخرة في فلاحة الأرض وصناعة اللبن (الطوب غير المحروق) وقطع الأشجار، حيث لم يكن لديها نظام أفضل من هذا النظام كمصدر للقوى العاملة، ولذا استخدمته. فكان مركز صغار العمال أشبه ما يكون بمركز العبيد. ورغم ذلك فإن صفة العبودية ليست صحيحة من الناحية القانونية. وإنما تصف فقط نظام الزراعة في الفراعنة دون أي اعتبار لتلك النظم أو لطريقة استخدامه.
فكلمة الرق تعني التجرد من الحقوق القانونية. ومثل هذا المعنى لم يكن موجوداً في مصر القديمة. وعلى الرغم من وجود طبقات من الشعب كان تملكها طبقات أخرى يحق لها أن تقوم ببيعها أو توريثها أو إهداءها أو تؤجرها أو تعتقها؛ بعقد رسمي. ولكن يلاحظ المؤرخون أن لهؤلاء (العبيد) أملاكهم الخاصة التي يمكنهم التصرف فيها كيفما أرادوا. وكان يجوز لهم التزوج، ويثبتون الزواج رسمياً... وكذلك كان العبد فيما يبدو يتقاضى أجراً مقابل عمله، وقد يقتني العبيد ويتزوج من الحرائر...
ومن ثم يتضح لنا أن تغلغل العبيد في مصر الفرعونية كان تشغيلاً ثانوياً، لم يحتل مركزاً محورياً في اقتصاد الحضارة الفرعونية القديمة. وبعيداً عن الخلاف السابق فقد أدى اكتشاف الإنسان للزراعة البدائية إلى تغير مجرى حياة الإنسانية كلياً. إذ انتقل الإنسان بذلك من حياة الصيد والقنص الداعية إلى التجوال والترحال إلى حياة الزراعة الداعية للاستقرار والإقامة.
اختر - حسب الاتجاه الأول (المنطقي)، ما هو الدور الذي لعبه الرق في الحضارات الشرقية القديمة (مثل الفرعونية)؟
أسباب نظام الرق (اكتشاف الزراعة)
أدى اكتشاف الزراعة إلى استقرار الإنسان على ضفاف الأنهار. وترك حياة الترحال بحثاً عن الطعام. وقد ساعد هذا الاستقرار على تنمية القوى الإنتاجية في الرعي والزراعة، وبالتالي زيادة إنتاجية العمل. واستطاع الإنسان أن يعزز المرحلة التي كان إنتاجه فيها يكفي بالكاد لسد حاجاته الضرورية لحفظ حياته من الغذاء.
الفائض الاقتصادي وظهور الملكية
ولهذا ظهر لأول مرة ما يسمى بالفائض الاقتصادي في يد الإنسان وهو زيادة الإنتاج عن الاستهلاك الضروري. وقد ترتب على ظهور هذا الفائض أن أصبح الفرد المنتج يختص بهذا الإنتاج وحده، بالتالي ظهور الملكية الفردية. لذلك أدى هذا الفائض في الإنتاج إلى تطور فكر الإنسان البدائي.
ولهذا امتلك الإنسان الماشية، وهنا امتلك الإنسان الأرض، وبذلك ظهر نظام الرق في الحضارات الغربية (الإغريقية والرومانية) كقوة للخروج من ناحية، حيث شكل أهالي البلاد المهزومة، المصدر الأول للحصول على الأرقاء.
بينما شكل استرقاق الأغنياء للفقراء من عامة الشعب اليوناني والروماني والذين عجزوا عن دفع ديونهم، المصدر الثاني للحصول على الرقيق من ناحية ثانية. وقد ساعد أيضاً على انتشار ظاهرة الرقيق قيام بعض الفلاسفة اليونانيين بتبرير هذا النظام حيث اعتبر هؤلاء الفلاسفة أن العمل اليدوي سواء في المجال الزراعي أو الحرفي أو الرعي في مرتبه أدنى، ولا يليق بالأحرار.
علل: لماذا يُعتبر "اكتشاف الزراعة" و "الفائض الاقتصادي" سبباً رئيسياً لظهور نظام الرق؟
الفلسفة الاقتصادية وقوى الإنتاج
والذين يخطئون بالتفكير والأدب والحرب والدفاع عن المدينة. وقد أسس هؤلاء الفلاسفة وجهة نظرهم السابقة على أساس اختلاف المزايا النسبية التي تمنحها الطبيعة للأفراد، فهناك من الأمم من يتمتع أفرادها بخصائص ومزايا طبيعية تجعلهم مؤهلين ليكونوا أسياداً كاليونانيين، وهناك أمم لا يصلح أفرادها إلا للخضوع لغيرهم هم "الرقيق".
الفلسفة الاقتصادية لنظام الرق
تمثلت الفلسفة الاقتصادية في نظام الرق في توفير الرفاهية للسادة الملوك والنبلاء، وكبار موظفي الدولة وقادة الجيش والكهنة، وتوفير الضروريات للرقيق، وربما كان أتباع حاجة هؤلاء العبيد ضرورة اقتضتها الرغبة في توفير الرفاهية للسادة.
قوى الإنتاج
أما بالنسبة لقوى الإنتاج (عناصر الإنتاج) في ظل نظام الرق، فقد زادت إنتاجية العمل بشكل ملحوظ مما أدى إلى ظهور فكرة الفائض الاقتصادي. وبذلك إيذاناً بنشوء فكرة الملكية الفردية ليس فقط للأموال وإنما كذلك للإنسان عن طريق استرقاق الأقوياء لأسرى الحرب من الأعداء والفقراء الذين لا يستطيعون دفع ديونهم إلى السادة والنبلاء.
وبالإضافة إلى ذلك فقد تطورت أدوات الإنتاج، وظهر تطوراً كبيراً. وخير شاهد على ذلك التراث الحضاري الذي خلفته لنا هذه الحضارات. وكان من نتيجة هذا التطور معرفة الإنسان لزراعة أنواع جديدة من النباتات مثل الكروم والزيتون واستطاع أن يلبي قطعان الماشية، كما عرف الكثير من الحرف الصناعية كالغزل والنسيج وطرق المعادن وصناعة الزجاج والأواني ونمت المبادلات التجارية نمواً كبيراً.
اختر - ما هي الفلسفة (الهدف) الأساسية للاقتصاد في ظل نظام الرق؟
علاقات الإنتاج والتوزيع
في هذا القسم، نستعرض كيف تم تنظيم المجتمع والعلاقات بين طبقاته في ظل نظام الرق.
علاقات الإنتاج
تميز الإطار الاجتماعي لنظام الرق بإنقسام المجتمع إلى طبقتين أساسيتين، هما طبقة السادة والعبيد. فالسادة هم الذين يتمتعون بكامل الحقوق والحريات، وداخل هذه الطبقة كان يمكن التمييز بين عدة فئات، فئة كبار الملاك العقاريين، وهم كذلك كبار ملاك الرقيق، وطبقة العامة وهم صغار الموظفين والمنتجين من المزارعين والحرفيين والأفراد العاطلين من عامة "الشعب". أما العبيد فهم الفئة التي تتحمل عبء الإنتاج في المجتمع، ومع ذلك فهم محرومون من كل الحقوق والحريات، بل كانوا يدخلون في عداد الأشياء لا الأشخاص. كما أنكر عليهم النظام الاجتماعي السائد أبسط الحقوق الإنسانية، وهو الحق في الحياة.
فكانوا يساقون إلى حلبة الموت من أجل المصارعة، بهدف إسعاد الملوك والأمراء، ومتعة أوقات الفراغ.
علاقات التوزيع
لم يكن معترف للعبد في هذا المجتمع بأية حقوق قانونية. فما ينتجه ويسلمه لسيده. ولا يسمح له إلا بالحصول على ما يسد حاجاته الضرورية من الطعام والشراب وبقدر الذي يبقيه على قيد الحياة... وهذا يتوقف على قدر سيده، والضرورة اقتضتها الرغبة في توفير الرفاهية للسادة الملوك والأمراء. وإذا كانت علاقات التوزيع غير عادلة في ظل نظام الرق.
علل: لماذا وُصف العبيد في نظام الرق بأنهم يدخلون "في عداد الأشياء لا الأشخاص"؟
أسباب انهيار نظام الرق (الداخلية)
شكل الرقيق العمد الأساسي الذي قامت عليه اقتصاديات الإنتاج لكل من الحضارة اليونانية والرومانية لعدة قرون قبل الميلاد وبعده. وقد ساعد عمل الرقيق بحق في زيادة ونمو القوى الإنتاجية للمجتمع في شتى المجالات الزراعية والحرفية والصناعية. إلا أن علاقات توزيع الإنتاج في هذا المجتمع لم تكن عادلة بالمرة. فلم يكن معترف للعبد في هذا المجتمع بأية حقوق قانونية كما هو الحال في الحضارة الفرعونية القديمة. فما ينتجه لسيده، ولا يسمح له إلا بالحصول على ما يسد حاجته الضرورية من الطعام والشراب وبالقدر الذي يبقيه على قيد الحياة. من هنا بدأت بذور نهاية نظام الرق كنظام اقتصادي.
ويمكن حصر هذه الأسباب فيما يلي:
١- قسوة المعاملة التي أتبعها السادة: قسوة المعاملة التي أتبعها السادة مع الأرقاء المملوكين لهم، لظنهم إلى العمل.
٢- سوء الأحوال المعيشية والثورات: سوء الأحوال المعيشية التي كان عليها الأرقاء في المدن اليونانية والرومانية. أدت إلى تناقص عددهم وضعف قوتهم وهروبهم وقيامهم بثورات متعددة ضد الدولة الرومانية، اتخذت أحياناً شكل حروب حقيقية بين الرقيق (العبيد) والجيش الروماني. ولعل من أشهر هذه الحروب، الحرب التي قادها المصارع (سبارتاك) واهتزت من عام ٧٣ إلى ٨١ قبل الميلاد، جال فيها منتصراً من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال إلى أن تمكنت جيوش روما من هزيمته وقتله في معركة قاسية.
اختر - ما هي الحرب الشهيرة التي قادها العبيد ضد روما وتعتبر من أسباب انهيار النظام؟
تابع: أسباب انهيار نظام الرق (القوة الحربية)
تستكمل هذه النقطة العوامل الخارجية والداخلية التي أدت لسقوط نظام الرق بسقوط الإمبراطورية الرومانية.
٣- اتخاذ القوة الحربية للدولة الرومانية
اتخذت القوة الحربية للدولة الرومانية بصفة أساسيه على عامة الشعب من مزارعين وحرفيين فضلاً عن كونه المصدر الرئيسي لتمويل العمليات الحربية من الضرائب التي يدفعونها. ومع ذلك تسببت منافسة عمل الرقيق ذو الأجر الرخيص مع العمل الذي يقوم به المواطنين الأحرار من عامة الشعب إلى الإضرار بهؤلاء الأحرار من المزارعين والحرفيين مع أنهم عماد القوة الحربية والمالية التي تجلب الأرقاء اللازمين لاستمرار نظام الرق.
وقد تسبب هذا الوضع في تدهور أحوال القوة الحربية للدولة الرومانية مما أدى إلى توالي الهزائم بعد الانتصارات، وتحول الحرب الهجومية إلى حروب دفاعيه. وذلك للدفاع عن المدن الرومانية ضد هجمات الفرنج من الشرق والقبائل الجرمانية من الشمال. والتي وضعت حد للإمبراطوريه الرومانية في القرن الخامس الميلادي وسقوطها في عام ٤٧٦ م.
علل: كيف ساهم "عمل الرقيق" (المنافسة غير العادلة) في إضعاف القوة الحربية للدولة الرومانية؟