شرح الحملة الفرنسية على مصر والشام - تاريخ 3 ث

الفصل الأول: الحملة الفرنسية على مصر والشام (١٧٩٨ - ١٨٠١)

دراسة تفصيلية للظروف التي سبقت الحملة الفرنسية، وتحليل لأحوال المجتمع المصري السياسية والاقتصادية والاجتماعية في ظل الحكم العثماني، ودوافع الثورة الفرنسية لقدوم الحملة.

الحالة السياسية لمصر قبيل الحملة

خضعت مصر للحكم العثماني منذ عام ١٥١٧م، لكن مع ضعف الدولة العثمانية في أواخر القرن الـ ١٧م، استحدثت نظاماً للحكم في مصر يضمن تبعيتها للسلطان، لكنه حمل في طياته عوامل ضعفه. قام هذا النظام على ثلاث إدارات متنافسة تراقب كل منها الأخرى:

١. الوالي (نائب السلطان)

  • هو نائب السلطان ومقره القلعة.
  • سلطته مراقبة الوالي ونوابه وعزله.
  • مدة حكمه قصيرة (لا تتجاوز ثلاث سنوات أحياناً) مما أضعف سلطته وجعله يهتم بجمع الأموال.

٢. الديوان (الحامية العسكرية)

  • مهمته مراقبة الوالي بل وعزله إذا خالف أوامر السلطان.
  • أدت زيادة سلطة الديوان والحامية العسكرية إلى إضعاف سلطة الوالي ونشوب صراعات بينهم.

٣. البكوات المماليك (إدارة شؤون الأقاليم)

  • استعان بهم العثمانيون لخبرتهم في حكم الأقاليم.
  • تطلع المماليك للانفراد بحكم البلاد مستغلين ضعف الدولة العثمانية أواخر القرن الـ ١٧م.
  • كان منصب "شيخ البلد" (حاكم القاهرة) هو أقوى المناصب ويتقلده أحد كبار المماليك.

استنتاج: أدى نظام الحكم العثماني في مصر إلى إضعافها بسبب: (١) قصر مدة حكم الوالي، (٢) زيادة سلطة الديوان والحامية، (٣) الصراعات بين هذه الهيئات الثلاث، مما أتاح الفرصة للمماليك لزيادة نفوذهم والتطلع للانفراد بالحكم.

محاولة علي بك الكبير الاستقلالية (١٧٦٨م)

في خضم هذا الضعف، برزت أقوى محاولات الاستقلال عن الدولة العثمانية بقيادة "علي بك الكبير"، أحد زعماء المماليك الذي وصل لمنصب شيخ البلد عام ١٧٦٣م.

مظاهر استقلال علي بك الكبير

  • استغل فرصة حروب الدولة العثمانية مع روسيا عام ١٧٦٨م.
  • قام بعزل الوالي العثماني ومنع قدوم غيره.
  • امتنع عن دفع الخراج للدولة العثمانية.
  • ضرب النقود (العملة) باسمه.
  • أخضع الحجاز لنفوذه.
  • أرسل نائبه وقائده العسكري "محمد بك أبو الدهب" لغزو الشام، ونجح في دخول دمشق.

أسباب فشل المحاولة

فشلت المحاولة بسبب خيانة "محمد بك أبو الدهب".

  • انحاز محمد أبو الدهب للسلطان العثماني واتفق معه سراً.
  • عاد بجيشه من الشام وقاتل سيده "علي بك الكبير" حتى هزمه.
  • عادت مصر ولاية عثمانية تحت حكم محمد بك أبو الدهب (شيخ البلد)، الذي خلفه في الحكم مراد بك وإبراهيم بك.

النتيجة: شهدت الفترة التي تلت حكم أبو الدهب صراعات متواصلة بين المماليك أنفسهم، مما أدى إلى تدهور اقتصاد البلاد وتقلص التجارة الخارجية، وهو ما شجع فرنسا على إرسال حملتها.

اختر - العامل المباشر الذي شجع علي بك الكبير للقيام بحركته الانفصالية هو:
(أ) امتلاكه القوة العسكرية. (ب) ضعف الدولة العثمانية. (ج) ثقته في نائبه أبو الدهب.
الإجابة: (ب) ضعف الدولة العثمانية وانشغالها بحربها مع روسيا كان الظرف المثالي الذي استغله.

الحالة الاقتصادية: الزراعة

كانت الأوضاع الاقتصادية في مصر متدهورة بشكل عام قبل مجيء الحملة، وظهر ذلك بوضوح في كافة المجالات.

نظام ملكية الأرض (حق الانتفاع)

  • كانت الأرض ملكاً للدولة العثمانية ممثلة في السلطان.
  • يتم زراعتها عن طريق "حق الانتفاع"، حيث يُكلف الفلاحون بزراعتها مقابل دفع الضرائب المقررة.
  • لم يكن للفلاح حق التملك أو التصرف في الأرض (بالبيع أو التوريث).

نظام جباية الضرائب (الالتزام)

  • هو النظام الذي يتم به جمع الضرائب، وكان سبباً رئيسياً في تدهور الزراعة.
  • يقوم "الملتزم" (أحد الأغنياء أو المماليك) بدفع الضرائب المقررة على منطقة (التزام) ما مقدماً للدولة.
  • يتولى "الملتزم" بعد ذلك جمع هذه الضرائب من الفلاحين أضعافاً مضاعفة ليعوض ما دفعه ويحقق أرباحاً.
  • كان الملتزم يحصل على قطعة أرض معفاة من الضرائب كامتياز (تُعرف بـ "الوسية").
  • أدى هذا النظام إلى معاناة الفلاحين من سطوة الملتزمين، وفرضهم للإتاوات خارج الضرائب المقررة.

أسباب تدهور الزراعة

  • عدم استقرار الفلاح: بسبب سطوة الملتزمين في جمع الضرائب وفرض الإتاوات.
  • إهمال الدولة: عدم اهتمام الدولة بأمور الري وتقوية الجسور وحفظ الأمن، مما أدى إلى إهمال الأراضي وهجرة الفلاحين لها.

الحالة الاقتصادية: الصناعة والتجارة

لم تكن الصناعة والتجارة أفضل حالاً من الزراعة، فقد عانت هي الأخرى من التدهور الشديد.

الصناعة

  • كانت الصناعة في مصر يدوية بسيطة، لم تصل إلى مرحلة الآلية كما حدث في أوروبا.
  • لم يهتم العثمانيون بالصناعة واعتمدوا على نظام "طوائف الحرف".
  • كانت طوائف الحرف هي همزة الوصل بين الحكومة والصناع، ومهمتها جمع الضرائب والإشراف على الإنتاج.
  • كان لكل مهنة شيخ طائفة مسؤول عنها.

التجارة الخارجية

  • تدهورت وخسرت مصر كثيراً بسبب تحول طريق التجارة بين الشرق والغرب إلى "طريق رأس الرجاء الصالح" (الدوران حول أفريقيا) الذي اكتشفه البرتغاليون.
  • اقتصرت صلات مصر التجارية على دول حوض البحر المتوسط، والسودان، والحبشة، وبلاد العرب، واليمن.

التجارة الداخلية

تدهورت التجارة الداخلية لعدة أسباب:

  • انعدام الأمن: بسبب النزاع المستمر بين الفرق العسكرية وغارات بدو الصحراء.
  • عدم ثبات العملة: واختلاف المكاييل والموازين من مكان لآخر.

النتيجة: أدى تدهور التجارة إلى سيطرة التجار الأجانب (الأوروبيين) على أمور التجارة في مصر، بفضل تنظيمهم والامتيازات (التسهيلات) التي منحتها لهم الدولة العثمانية.

اختر - يرجع كساد النشاط التجاري بين الأقاليم المصرية في النصف الثاني من القرن الـ ١٨ إلى عدة عوامل أهمها:
(أ) الكشوف الجغرافية. (ب) انفراد المماليك بأمور الحكم. (ج) غياب السيطرة على سكان الصحراء.

الإجابة: (ج) غياب السيطرة على سكان الصحراء (غارات البدو)، بالإضافة لعدم استقرار الأمن الداخلي بسبب نزاعات المماليك.

الحالة الاجتماعية

انقسم المجتمع المصري قبل الحملة الفرنسية إلى فئتين، مما أدى إلى حالة من التفاوت الطبقي الشديد:

١. فئة الحكام (أصحاب السلطة والنفوذ)

  • تكونت من "الأتراك" (الباشا والجيش) و "البكوات المماليك".
  • كانت لهم السلطة والثروة.
  • عاشوا في عزلة اجتماعية عن سائر فئات المجتمع المصري.

٢. فئة المحكومين (المصريون)

انقسمت هذه الفئة بدورها إلى شريحتين:

  • الشريحة الوسطى: وتضم المشايخ، والعلماء، والتجار.
  • الشريحة الدنيا (عامة الناس): وتضم الفلاحين، وصغار الحرفيين، وعامة الناس.

الوضع العام: سادت حالة من الجهل والخرافات والشعوذة، ولم يبقَ من نور العلم إلا بصيص في الأزهر الشريف.

أوروبا والثورة الفرنسية (١٧٨٩م)

في الوقت الذي كانت فيه مصر تعاني من هذا الضعف والتدهور، كانت أوروبا تشهد تغيراً جذرياً هائلاً متمثلاً في الثورة الفرنسية.

قيام الثورة الفرنسية

  • تعتبر أول ثورة اجتماعية في أوروبا.
  • قادتها الطبقة الوسطى (البرجوازية) بالتحالف مع طبقة العامة.
  • نتائج الثورة:
    • إعدام الملك "لويس السادس عشر".
    • القضاء على النظام الملكي الإقطاعي في فرنسا.
    • إقامة الجمهورية.

موقف ملوك أوروبا من الثورة

  • أدرك ملوك أوروبا خطورة هذه الثورة على عروشهم.
  • تحالفوا معاً (بقيادة إنجلترا) للقضاء على الثورة الفرنسية ومنع تسرب مبادئها خارج حدود فرنسا، وإعادة الملكية لها.
  • لكن فرنسا، بقيادة "نابليون بونابرت"، نجحت في هزيمة كل هذه التحالفات، وظلت "إنجلترا" هي العدو الأكبر.

العوامل الدافعة لقدوم الحملة الفرنسية

لم تكن فكرة احتلال مصر وليدة الثورة الفرنسية، بل سبقتها محاولات في عهد لويس الـ ١٤ والـ ١٥ والـ ١٦. لكن بعد الثورة، اتخذ الأمر شكلاً جاداً للأسباب التالية:

١. التنافس الاستعماري مع إنجلترا

  • كان هذا هو السبب الرئيسي. بدأ الصراع بينهما في القرن الـ ١٧ واستمر طوال القرن الـ ١٨.
  • بعد الثورة، رغبت فرنسا في توجيه ضربة عسكرية لإنجلترا في عقر دارها، لكنها فشلت بسبب قوة الأسطول الإنجليزي البحري.

٢. أهداف نابليون من غزو مصر

فكر نابليون في توجيه ضربة عسكرية لإنجلترا خارج أراضيها، وذلك بإرسال حملة لغزو مصر لتحقيق الأهداف التالية:

  • تهديد مصالح إنجلترا: عن طريق قطع طريق التجارة بين إنجلترا ومستعمراتها في الهند.
  • تقويض الإمبراطورية البريطانية: وتأسيس إمبراطورية فرنسية بدلاً منها في الشرق.
  • تسهيل تجارة فرنسا: مع الشرق عبر مصر بدلاً من طريق رأس الرجاء الصالح الذي يسيطر عليه الأسطول الإنجليزي.
  • تأمين التجارة الفرنسية: وحمايتها من خطر المماليك الذين اتهمتهم فرنسا بالاعتداء على التجار الفرنسيين في مصر.

اختر - نتج عن القوة البحرية الإنجليزية في أواخر القرن الـ ١٨:
(أ) نقل الصراع الإنجليزي الفرنسي إلى الشرق. (ب) توقف حركة التجارة الخارجية لفرنسا. (ج) منع تسرب مبادئ الثورة الفرنسية.

الإجابة: (أ) نقل الصراع الإنجليزي الفرنسي إلى الشرق. (لأن فرنسا لم تستطع ضرب إنجلترا في عقر دارها بسبب قوة أسطولها، فقررت ضربها في مستعمراتها بالشرق).