عقوبة الإعدام والمشكلات المتعلقة بها - علم العقاب
عقوبة الإعدام والمشكلات المتعلقة بها
تُعد عقوبة الإعدام من أقدم العقوبات التي عرفتها التشريعات الجنائية، وهي عقوبة تمس التكامل العضوي مع الروح، وتهدف إلى إزهاق روح المحكوم عليه. ونظراً لجسامت الشديدة، يُحكم بها في الجرائم شديدة الخطورة مثل القتل العمد مع سبق الإصرار أو الترصد. ولا زالت هذه العقوبة محلاً لجدل كبير بين الفلاسفة والفقهاء ورجال الدين، وانقسموا حول مدى ملائمتها وجدوى الإبقاء عليها أو إلغائها.
تمهيد: الجدل حول عقوبة الإعدام
سنقتصر فيما يلي على دراسة أهم أنواع العقوبات، وخاصة تلك التي أثارت جدلاً فقهياً كبيراً حول جدوى فاعليتها، ومدى ملائمة الإبقاء عليها أو إلغائها، ونعني بصفة خاصة، عقوبة الإعدام، والعقوبات السالبة للحرية.
تاريخ وجدل العقوبة
تعتبر عقوبة الإعدام من أقدم العقوبات التي عرفتها التشريعات الجنائية، بل من العقوبات التي كانت السلطات في العهود القديمة تسرف في تطبيقها، وكانت غالباً ما تقترن بوسائل تعذيب قبل تنفيذها، ففي ظل قانون العقوبات الفرنسي الصادر عام ١٨١٠، كانت عقوبة الإعدام تنفذ على المحكوم عليه شنقاً في الطريق العام، بعد قطع قبضة اليد.
وقد كانت عقوبة الإعدام -ومازالت- محلاً للجدل، فالفلاسفة والفقهاء والعلماء ورجال الدين، بل وحتى رجل الشارع العادي، انقسموا حول مدى ملائمة الأخذ بها، وأيضاً لمدى مشروعيتها، ومن ثم الإبقاء عليها أو إلغائها. ويمكننا تأصيل الخلاف السابق إلى اتجاهين: اتجاه معارض لها، واتجاه مناصر لها.
اختر - انقسم الجدل الفقهي والقانوني حول عقوبة الإعدام إلى اتجاهين رئيسيين هما:
(أ) اتجاه مؤيد للتعذيب واتجاه معارض له. (ب) اتجاه يطالب بتنفيذها سراً واتجاه يطالب بتنفيذها علناً. (ج) اتجاه معارض لها (يطالب بالإلغاء) واتجاه مناصر لها (يطالب بالإبقاء). (د) اتجاه يطالب بتنفيذها شنقاً واتجاه يطالب بها رمياً بالرصاص.
الإجابة: (ج) اتجاه معارض لها (يطالب بالإلغاء) واتجاه مناصر لها (يطالب بالإبقاء).
الاتجاه المعارض لعقوبة الإعدام (حجج الإلغاء)
يستند الاتجاه المعارض لعقوبة الإعدام إلى أنها غير شرعية، وغير عادلة، وأنها لا تحقق أهم أغراض العقوبة المتمثل في إصلاح وتهذيب المحكوم عليه، وأنه إذا انقضت فائدتها فمن عكس باقي العقوبات، يستحيل الرجوع فيها إذا اكتشفت براءة المحكوم عليه بها.
أولاً: عقوبة الإعدام غير شرعية
فالدولة ليس لها الحق في توقيع عقوبة الإعدام وسلب حياة المتهم؛ لأنها لم تهبه حق الحياة ابتداءً. وترجع هذه الحجة إلى "بيكاريا" الذي وجد في نظرية العقد الاجتماعي أساساً لعدل الدولة في توقيع العقاب، والتي وفقاً لها، أن كل فرد تنازل عن جزء ضئيل من حريته للدولة عن "طريق العقد الاجتماعي Le contrat social".
ومن مجموع الأجزاء التي تنازل عنها الأفراد نشأ حق الدولة في العقاب. ويترتب على اعتبار العقد الاجتماعي أساساً لحق الدولة في العقاب، التخفيف من شدة وقسوة العقوبات، فالعقوبة القاسية تتعارض مع طبيعة العقد الاجتماعي.
ثانياً: عقوبة الإعدام غير عادلة
لأنها غير متناسبة مع جسامة الجريمة، كما أنها غير قابلة للتدرج وفقاً لجسامة الضرر الناتج عن الجريمة، ولا تتناسب أحياناً مع درجة خطورة الجاني. وذهب أنصار هذا الرأي إلى أن عقوبة الإعدام تتسم بالقسوة، وأنها ما كانت وسيلة لتطهير، وتحريم المجتمع من عضو قد يكون نافعاً لها في المستقبل.
علل: يرى أنصار الاتجاه المعارض للإعدام أن العقوبة "غير شرعية" بناءً على نظرية العقد الاجتماعي.
الإجابة: لأنهم يرون أن الأفراد حين كونوا العقد الاجتماعي تنازلوا للدولة عن جزء ضئيل من حرياتهم، ولكنهم لم يتنازلوا أبداً عن "الحق في الحياة". وبما أن الدولة لم تُمنح هذا الحق من الأفراد، فلا تملك ممارسته، وبالتالي فسلبها لحياة المتهم يعتبر عملاً غير شرعي.
تابع: حجج الاتجاه المعارض (عدم الجدوى والاستحالة)
يستكمل المعارضون حججهم بالتركيز على الغرض من العقوبة واستحالة تدارك الخطأ.
ثالثاً: الإعدام لا يحقق أغراض العقوبة
استئصال المحكوم بإعدامه لا يحقق أهم أغراض العقوبة، وهو الردع الخاص، أي تأهيل وإصلاح المجرم كي يعود مواطناً صالحاً. بالإضافة إلى ذلك، فقد ثبت أن عقوبة الإعدام لم تثبت فعاليتها في تحقيق الردع العام - أي تخويف الأفراد من هول العقوبة لكي لا يقدموا على ارتكاب الجريمة - والدليل على ذلك ازدياد نسبة الجرائم الخطيرة المعاقب عليها بالإعدام.
رابعاً: استحالة الرجوع فيها بعد تنفيذها (Irreversible)
أن عقوبة الإعدام بعد تنفيذها في المحكوم عليه بها، يستحيل الرجوع عنها « Irréversible ». إذا ما ثبت أن القضاة قد أخطأوا في توقيعها، وهو أمر وارد الحدوث. أما إذا كانت العقوبة المحكوم بها سالبة للحرية، ثم ظهرت براءة المتهم، فيمكن أن يوقف استمرار تنفيذها في الحال، وتعتبر هذه الحجة من أقوى الحجج التي قال بها أنصار معارضو عقوبة الإعدام.
و قد استجابت تشريعات عديدة لهذه الحجة، فألغت عقوبة الإعدام من قائمة العقوبات التي تقررها، مثل التشريع الفرنسي الذي ألغى عقوبة الإعدام بالقانون رقم ٩٠٨-٨١ في ٩ أكتوبر سنة ١٩٨١.
اختر - تُعد حجة "استحالة الرجوع في العقوبة" من أقوى حجج المعارضين لأنها:
(أ) تثبت أن العقوبة غير رادعة. (ب) تجعل الخطأ القضائي (وهو أمر وارد) نهائياً ولا يمكن إصلاحه. (ج) تؤكد أن العقوبة غير عادلة. (د) تنفي الأساس الديني للعقوبة.
الإجابة: (ب) تجعل الخطأ القضائي (وهو أمر وارد) نهائياً ولا يمكن إصلاحه.
الاتجاه المؤيد لعقوبة الإعدام (حجج الإبقاء)
على النقيض من الرأي السابق المعارض لعقوبة الإعدام، اتجه جانب كبير من الفقه إلى القول بضرورة تطبيق مثل هذه العقوبة. وقد قاموا بالرد على الحجج السابقة بما يؤيد تمسكهم بالإبقاء على هذه العقوبة.
أولاً: حماية المجتمع هو أساس حق الدولة في العقاب
القول بأن عقوبة الإعدام غير شرعية لأن الدولة ليس لها الحق في سلب حياة إنسان لأنها لم تهبه إياها، قول محل نظر؛ إذ أن أساس حق الدولة في العقاب هو "حماية المجتمع".
وإذا كان العقد الاجتماعي هو أساس حق الدولة في العقاب، فإن هذا العقد يهدف أساساً إلى حماية المجتمع. فإذا أقدم أحد الأفراد على خرق هذا العقد بالاعتداء على المجتمع، كان للدولة - باسم المجتمع - أن توقع عليه العقاب المناسب ولو وصل إلى حد الإعدام، دفاعاً عن المجتمع.
اختر - يرى أنصار "الإبقاء" على عقوبة الإعدام أن أساس حق الدولة في العقاب هو:
(أ) الانتقام من الجاني. (ب) إصلاح الجاني وتأهيله. (ج) تحقيق الردع الخاص فقط. (د) حماية المجتمع والدفاع عنه.
الإجابة: (د) حماية المجتمع والدفاع عنه.
تابع: حجج الاتجاه المؤيد (الردع والأساس الديني)
يركز المؤيدون على قدرة العقوبة على تحقيق الردع العام، وعلى أساسها في العدالة والشرائع السماوية.
ثانياً: عقوبة الإعدام تحقق أغراض العقوبة (الردع العام)
القول بأن استئصال المجرم بإعدامه لا يحقق أهم أغراض العقوبة وهي تأهيل وإصلاح المجرم، فيه حجة تقوم على المغالاة؛ إذ أن العقوبة مردوداً لا يتقرر إلا بعد التأكد من خطورة شخصية الجاني على المجتمع وعدم قابليته للإصلاح.
تحقق العقوبة أغراضاً أخرى أهمها: تحقيق العدالة، وإرضاء الشعور العام لدى أفراد المجتمع، وكذلك تحقيق الردع العام، وذلك بتخويف أفراد المجتمع من مغبة الإقدام على ارتكاب مثل هذه الجرائم. ولها دور هام في تحقيق الردع العام.
الأساس الديني (القصاص)
وهذه العقوبة أجازها الله سبحانه حينما قال في كتابه الكريم: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى».
وقوله تعالى: «وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ».
وقوله تعالى: «وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ».
علل: يرى مؤيدو الإعدام أن قول المعارضين بأنها "لا تحقق غرض الإصلاح" هو حجة قائمة على المغالاة.
الإجابة: لأن العقوبة لا تُقرر إلا بعد التأكد التام من خطورة الجاني وعدم قابليته للإصلاح، وبالتالي فإن هدف "الإصلاح" يصبح غير ذي جدوى لهذا المجرم، وتصبح الأهداف الأهم هي تحقيق "العدالة" و "الردع العام" لحماية المجتمع.
تابع: حجج الاتجاه المؤيد (التناسب والضمانات)
يرد المؤيدون على حجتي "الظلم" و "الخطأ" بأن العقوبة عادلة ومتناسبة، وأنها محاطة بضمانات كافية.
ثالثاً: الإعدام مظهر لأشد أنواع الجرائم خطورة (التناسب)
من ناحية ثانية، القول بأن عقوبة الإعدام غير عادلة، لعدم تناسبها مع جسامة الجريمة محل نظر، إذ أنه حينما تكون الجريمة تقترن كأف من الجسامة وتكون درجة خطورة الجاني كبيرة، فإن ذلك يبرر توقيع عقوبة الإعدام.
فالقانون المصري على سبيل المثال لم يجز توقيع عقوبة الإعدام إلا في بعض الجرائم الخطيرة، مثل تلك بعض جرائم الاعتداء على أمن الدولة من جهة الداخل (المادة ٨٧ وما بعدها)، والقتل العمد مع سبق الإصرار أو الترصد (المادة ٢٣٠)، والقتل العمد بالسم (المادة ٢٣٣)، والقتل العمد المقترن بجناية أو المرتبط بجنحة (المادة ٢٣٤/٢) وغيرها. فإذا أقدم شخص على حياة المجني عليه - التي أهدرت عمداً - مع توافر ظرف مشدد، يدل على خطورة شخصية الجاني، فلا محل بعد ذلك للقول بقسوة العقوبة.
رابعاً: إحاطة عقوبة الإعدام بضمانات تمنع من الخطأ فيها
أما القول بأن عقوبة الإعدام بعد تنفيذها على المحكوم عليه بها يستحيل الرجوع عنها، إذا ما أثبت أن القضاة قد أخطأوا في توقيعها، أمراً مردوداً عليه. بأن هناك استحالة أيضاً لتدارك الخطأ الصادر بعقوبة سالبة للحرية بالنسبة لما تم تنفيذه بالفعل، كما أنه لا يكفي لإلغائها افتراض أمر نادر الحدوث.
ويكفي أن تتخذ احتياطات وضمانات وإجراءات قانونية صارمة، تحول دون حدوث مثل هذه الأخطاء. (مثل وجوب إجماع آراء القضاة للحكم بها، وأخذ رأي المفتي).
اختر - يرد أنصار الإبقاء على حجة "الخطأ القضائي واستحالة الرجوع" بما يلي:
(أ) أن الخطأ القضائي غير وارد أصلاً. (ب) أن العقوبة محاطة بضمانات وإجراءات صارمة (مثل الإجماع) تجعل الخطأ نادر الحدوث. (ج) أن العقوبات السالبة للحرية يمكن تدارك الخطأ فيها بالكامل. (د) أن رأي المفتي ملزم للقاضي.
الإجابة: (ب) أن العقوبة محاطة بضمانات وإجراءات صارمة (مثل الإجماع) تجعل الخطأ نادر الحدوث.