شرح درس نظم المؤسسات العقابية | علم العقاب
نظم المؤسسات العقابية
المقصود بنظام المؤسسة العقابية، مقدار ما يسمح به من اتصال بين نزلاء داخل السجن. وقد عرف تاريخ السجون على مر العصور نظماً متعددة لذلك، غير أن من الملاحظ أنه لا يوجد نظام موحد اتفقت عليه الدول المختلفة للأخذ به. فهناك من أخذ بالنظام الجمعي، والبعض تبنى النظام الانفرادي، والبعض الآخر أخذ بنظام يجمع ما بين النظام الجمعي والانفرادي معاً، وهو ما يعرف بالنظام المختلط. في هذا الدرس، نتناول هذه الأنظمة بالتفصيل.
النظام الجمعي
عرف التاريخ العقابي أول ما عرف "النظام الجمعي"، عندما كان الغرض من السجون ينحصر في مجرد التحفظ على النزلاء ومنعهم من الهرب. وقد ظل هذا النظام مطبقاً حتى أواخر القرن الثامن عشر الميلادي.
مضمون النظام الجمعي
يمثل هذا النظام أبسط نظم السجون، فهو يقوم على أساس الجمع بين المسجونين في مكان واحد خلال فترة التنفيذ العقابي؛ فالنزلاء يختلطون ببعضهم البعض نهاراً وليلاً، أثناء العمل أو تناول الطعام، أو في فترات الراحة أو النوم، ويسمح لهم بالحديث مع بعضهم. أي أنه لا توجد قيود على الاختلاط التام بالمحكوم عليهم إلا مرة إذ تم تصنيف المحكوم عليهم بحسب السن والنوع ويتم الفصل بينهم.
ولا يعني هذا النظام أن الاختلاط يتم بين جميع نزلاء المؤسسة العقابية بدون تمييز أو تصنيف. ففي البداية يتم تصنيف المحكوم عليهم بحسب السن والنوع ويتم الفصل بينهم، فيتم فصل الرجال عن النساء، والبالغون عن الأحداث، ثم بعد ذلك يتم إيداع كل طائفة في المؤسسة العقابية الخاصة بها، أو في القسم المخصص لها داخل نفس المؤسسة. ويحدث الاختلاط بين أفراد كل مجموعة أو طائفة بعد ذلك أثناء ممارسة الأنشطة التي تتم بالمؤسسة.
تقدير النظام الجمعي (المميزات والعيوب)
المميزات:
- النظام الجمعي يتفق مع طبيعة الإنسان ككائن اجتماعي يميل إلى الاختلاط بغيره من البشر، ويرفض العزلة. وهذا من شأنه الحفاظ على الصحة النفسية والعقلية للنزلاء، وبذلك لا يتعرضون لأمراض نفسية أو عقلية تقف عقبة في سبيل نجاح برامج التأهيل والتهذيب.
- يتميز النظام الجمعي بالبساطة ولا يكلف الدولة نفقات مالية باهظة.
- يسمح النظام الجمعي بتنظيم العمل بصورة تقترب من صورته خارج المؤسسة العقابية، وهذا من شأنه مساعدة المحكوم عليه على الاندماج بسرعة وسهولة في الحياة المهنية بعد انقضاء مدة العقوبة.
الانتقادات:
- يؤدي الاختلاط بين النزلاء داخل المؤسسة العقابية إلى نتائج وآثار خطيرة، خاصة فيما يتعلق باختلاط بين الإجرام والمبتدئين. فالاختلاط المحكوم عليهم لأول مرة إذ سيكون من شأن هذا الاختلاط أن يصبحوا فريسة سهلة لتعليم فنون وأساليب الإجرام.
- الاختلاط بين المسجونين قد يؤدي إلى انتشار العادات السيئة أو ارتكاب الأفعال الأخلاقية بين النزلاء.
- يؤدي اجتماع واختلاط النزلاء في مكان واحد طوال فترة تنفيذ العقوبة السالبة للحرية إلى تشكيل بعض العصابات الإجرامية التي قد تباشر نشاطها بعد قضاء فترة العقوبة.
علل: لماذا يعتبر "الاختلاط بين النزلاء" هو أبرز عيوب النظام الجمعي؟
الإجابة: لأن هذا الاختلاط يؤدي إلى نتائج خطيرة، منها انتقال الخبرات الإجرامية من المجرمين الخطرين إلى المبتدئين، وانتشار العادات السيئة، وتشكيل عصابات إجرامية داخل السجن قد تواصل نشاطها بعد الإفراج عنهم.
النظام الانفرادي
على عكس النظام الجمعي تماماً، يفرض هذا النظام العزلة التامة بين النزلاء خلال فترة التنفيذ العقابي؛ فالمحكوم عليه يتم إيداعه في زنزانة خاصة به بمفرده، ويلتزم بالإقامة فيها نهاراً وليلاً، ويتناول فيها طعامه، ويتلقى داخلها برامج التأهيل والتهذيب على يد العلماء ورجال الدين. ويقوم بإتمام ما يكلف به من أعمال.
مضمون النظام الانفرادي
وإذا سمحت إدارة السجن بخروج النزيل من الزنزانة لبعض الوقت فإن ذلك يتم في مكان منعزل عن غيره من السجناء، ولا يسمح له بالحديث معهم.
والنظام الانفرادي يعرف أيضاً بالنظام "البنسلفاني" نسبة إلى ولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي طبق فيها هذا النظام لأول مرة كرد فعل تجاه المساوئ التي شابت النظام الجمعي. وكان الهدف منه هو إتاحة الفرصة للمجرم للتفكير والتأمل بهدوء، مما يجعله يشعر بالندم على جريمته، وأن يتوب عنها، ولا يعود لارتكابها مرة أخرى.
تقدير النظام الانفرادي (المميزات)
يتميز النظام الانفرادي بالعديد من المميزات، أهمها ما يلي:
- يتجنب النظام الانفرادي أهم المساوئ الناجمة عن النظام الجمعي وهي اختلاط المسجونين ببعضهم البعض، وبالتالي تلافي النتائج الضارة المترتبة على هذا الاختلاط، مثل العلاقات الجنسية الشاذة، أو تعليم المبتدئين فنون الإجرام.
- يحقق النظام الانفرادي أعلى درجات التفريد العقابي؛ حيث يخصص لكل محكوم عليه برنامج تأهيلي خاص به، يتناسب مع ظروفه واحتياجاته الشخصية.
- تتعاظم قيمة النظام الانفرادي في تحقيق الردع الخاص، وبصفة خاصة في مواجهة عتاة المجرمين، ومعتادي الإجرام؛ فسلب الحرية مع عزل المحكوم عليه عن غيره من البشر عزلاً تاماً يزيد من قسوة العقوبة.
- يساعد هذا النظام على نجاح برامج التأهيل والتهذيب، فالعزلة عن الآخرين تتيح فرصة للتفكير والتأمل بهدوء، مما يجعل المحكوم عليه يشعر بالندم على ما اقترفه من خطأ.
اختر - يُعرف النظام الانفرادي أيضاً بالنظام "البنسلفاني" نسبة إلى:
(أ) اسم العالم الذي ابتكره. (ب) اسم السجن الذي طُبق فيه. (ج) الولاية الأمريكية التي طُبق فيها لأول مرة. (د) القانون الذي أقره.
الإجابة: (ج) الولاية الأمريكية التي طُبق فيها لأول مرة.
النظام المختلط
أتت مساوئ النظامين الجمعي والانفرادي إلى محاولة البحث عن نظام آخر يتجنب هذه المساوئ. وقد وجد المبتغى في نظام يجمع بين كلا النظامين معاً، وأطلق عليه مصطلح "النظام المختلط".
مضمون النظام المختلط
يقوم هذا النظام على أساس تقسيم نزلاء المؤسسة العقابية إلى فئتين، الليل والنهار، ويسمح للنزلاء بالاختلاط أثناء فترة النهار أثناء ممارسة أنشطة السجن اليومية، كالعمل وتناول الطعام وتلقي دروس التهذيب والتأهيل، ولكن بشرط عدم تبادلهم الحديث مطلقاً مع بعضهم البعض، وهو ما أطلق عليه "قاعدة الصمت المطلق".
أما في فترة الليل، أي أثناء النوم، فيتم عزل النزلاء عن بعضهم البعض عزلاً تاماً، فيلزم كل نزيل بالمبيت في زنزانة خاصة به وحده.
ويعتبر النظام المختلط من الأنظمة شائعة الانتشار في الوقت الحالي. ويُعرف النظام المختلط أيضاً باسم نظام "أوبرن" نسبة إلى سجن أوبرن في ولاية نيويورك، وهو أول سجن أخذ بهذا النظام.
اختر - السمة الأساسية التي تميز "النظام المختلط" أثناء النهار هي:
(أ) العزلة التامة في الزنازين. (ب) السماح بالحديث بحرية. (ج) الاختلاط بين النزلاء مع تطبيق "قاعدة الصمت المطلق". (د) عدم وجود عمل أو أنشطة.
الإجابة: (ج) الاختلاط بين النزلاء مع تطبيق "قاعدة الصمت المطلق".
تقدير النظام المختلط
يتميز النظام المختلط بالعديد من المميزات، وله أيضاً بعض الانتقادات.
مميزات النظام المختلط
- يتفق هذا النظام مع الطبيعة البشرية من حيث اجتماع الناس نهاراً وتفرقهم ليلاً، وهذا من شأنه الحفاظ على صحة المسجونين العقلية والنفسية، مما ينعكس إيجاباً على نجاح برامج التأهيل والتهذيب.
- يعتبر هذا النظام أقل تكلفة من الناحية الاقتصادية عن النظام الانفرادي؛ فعلى الرغم من تخصيص زنزانة لكل سجين، إلا أنها مخصصة للنوم فقط، وليس لمباشرة كل الأنشطة.
- يتيح هذا النظام إمكانية تنظيم العمل العقابي بالأساليب الحديثة وعلى صورة طبيعية.
الانتقادات الموجهة للنظام المختلط
على الرغم من هذه المميزات الكثيرة، إلا أن النظام المختلط كان أيضاً محلاً للانتقادات. وأهم هذه الانتقادات ينحصر في صعوبة تطبيق قاعدة "الصمت المطلق". ويرى البعض أن تطبيق هذه القاعدة ينطوي على قسوة لاإنسانية، وإغراء الحديث بين الناس خلال اجتماعهم أمراً يصعب مقاومته. وهذا ما دعا البعض إلى القول إن تطبيق قاعدة الصمت المطلق يعتبر أشد وطأة وأكثر قسوة على النزلاء من نظام الحبس الانفرادي.
علل: لماذا يعتبر تطبيق "قاعدة الصمت المطلق" هو الانتقاد الرئيسي الموجه للنظام المختلط؟
الإجابة: لأن تطبيق هذه القاعدة يعتبر أمراً صعباً للغاية وغير متوافق مع الطبيعة البشرية، حيث أن اجتماع الناس معاً مع منعهم من الحديث يُعتبر أشد قسوة من العزل الانفرادي التام ويشكل ضغطاً نفسياً كبيراً عليهم.
النظام التدريجي
يقوم النظام التدريجي على أساس تقسيم مدة المحكوم بها إلى عدة مراحل مختلفة، ويطبق في كل مرحلة منها نظام خاص على المحكوم عليه، بحيث يتم البدء أولاً بمرحلة تتسم بالشدة والصرامة، وذلك بتطبيق النظام الانفرادي، ثم تخف شدة النظام تدريجياً من مرحلة إلى أخرى، وهكذا، حتى ينتقل المحكوم عليه إلى المرحلة الأخيرة، والتي تتميز بأقل مظاهر القسوة والمشقة بحيث أنها تكاد تقترب من مظاهر الحياة العادية.
تاريخ وتطور النظام التدريجي
يرجع تاريخ تطبيق النظام التدريجي إلى العام ١٨٤٠ ميلادية، عندما طبق في سجن جزيرة "نورفلك" القريبة من استراليا. وقد تم الأخذ به بعد ذلك في إنجلترا.
وكان النظام التدريجي الإنجليزي يتم على ثلاثة مراحل:
- المرحلة الأولى: يطبق فيها على المحكوم عليه السجن الانفرادي لمدة تسعة أشهر.
- المرحلة الثانية: يخضع المحكوم عليه للنظام المختلط والذي يقوم بكسب نقاط على حسن سلوكه.
- المرحلة الثالثة: يتم تطبيق نظام الإفراج الشرطي على المحكوم عليه.
ونظراً لنجاح تطبيق هذا النظام في سجون "إيرلندا" عندما طبق بها بداية من العام ١٨٥٤ على يد "والتر كروفتون"، فقد أطلق عليه أو عرف حينئذ "بالنظام الأيرلندي".
اختر - يقوم "النظام التدريجي" على أساس:
(أ) عزل السجين عزلاً تاماً طوال مدة العقوبة. (ب) جمع السجناء معاً طوال مدة العقوبة. (ج) تقسيم مدة العقوبة إلى مراحل متدرجة في الشدة والمزايا. (د) تطبيق قاعدة الصمت المطلق فقط.
الإجابة: (ج) تقسيم مدة العقوبة إلى مراحل متدرجة في الشدة والمزايا.
تقدير النظام التدريجي
يعتبر النظام التدريجي من أفضل نظم السجون المطبقة حالياً، فهو ذو أهمية بالغة في تأهيل المحكوم عليه، وتعوديه على الطاعة والالتزام؛ ذلك أن انتقال المحكوم عليه من نظام لأشد قسوة إلى نظام أخف يعتمد بالدرجة الأولى عليه هو شخصياً، وعلى مقدار ما يثبته من حسن السير والسلوك.
مميزات النظام التدريجي
من ناحية ثانية، أخذ على النظام التدريجي أن المزايا التي تحققها إحدى المراحل قد تمحوها أو تفسدها مرحلة أخرى لاحقة، مما يفقد المرحلة الأولى جدواها. على سبيل المثال، إذا كانت العزلة التامة، والتي تطبق كمرحلة أولى من هذا النظام، تمنع الاختلاط الضار بين النزلاء، وبصفة خاصة بين عتاة الإجرام والأقل خطورة، فإن هذه الميزة ستفقد جدوها عند تطبيق المرحلة الثانية على المحكوم عليه، والسماح له بالاختلاط مع الغير.
الانتقادات والرد عليها
ومع ذلك، فالرأي الراجح بين العلماء والمهتمين بشئون السجون، أن هذه الانتقادات لا تقلل كثيراً من النظام التدريجي، خاصة أنه من السهولة بمكان التغلب عليها؛ فعلى سبيل المثال يمكن تصنيف المحكوم عليهم إلى مجموعات متجانسة، بحيث يكون الاختلاط في المرحلة اللاحقة بين مجموعات تتشابه ظروفهم ودرجة خطورتهم الإجرامية.
ومن ناحية ثانية، يتعين استفادة المحكوم عليه من جميع - أو على الأقل من بعض - المزايا في مرحلة العزل الانفرادي، كزيارة الأهل وتبادل الرسائل معهم؛ لما له من تأثير إيجابي على نجاح برامج التهذيب والتأهيل.
علل: كيف يمكن التغلب على مشكلة "فقدان مزايا مرحلة العزل" عند الانتقال إلى مرحلة الاختلاط في النظام التدريجي؟
الإجابة: يمكن التغلب عليها عن طريق تصنيف المحكوم عليهم إلى "مجموعات متجانسة" عند تطبيق مرحلة الاختلاط، بحيث يتم جمع النزلاء الذين تتشابه ظروفهم ودرجة خطورتهم الإجرامية معاً، مما يقلل من التأثير السلبي للاختلاط.