شرح درس بناء الدولة الإسلامية | تاريخ 2 ثانوي

دعائم بناء الدولة الإسلامية

بعد وصول النبي محمد ﷺ إلى يثرب (المدينة المنورة)، بدأت مرحلة جديدة وهي مرحلة الدعوة المدنية. ولإرساء دعائم مجتمع جديد وتأسيس دولة قوية، كان لابد أولاً من فهم أحوال المجتمع الذي هاجر إليه، ومن ثم وضع الأسس الراسخة لبناء هذه الدولة.

في هذا الدرس، سنتعرف على أحوال مجتمع المدينة قبل الهجرة، ثم نتناول بالتفصيل دعائم بناء الدولة الإسلامية التي أرساها الرسول ﷺ، والعقبات التي واجهها.

أولاً: أحوال مجتمع المدينة قبل هجرة الرسول ﷺ إليها

تنوعت الفئات السكانية في يثرب قبل الهجرة، وضمت فئات عربية وغير عربية، وكان الوضع بينهم متوتراً:

العرب (الأوس والخزرج)

  • هم قبائل يمنية هاجرت بعد انهيار سد مأرب.
  • سادت بينهما الصراعات والحروب، وأفنت هذه الحروب قواهما، وكان آخرها "يوم بعاث".

اليهود

  • هم فئات سكنت المدينة قديماً، ومنهم: يهود بني قينقاع، وبني النضير، وبني قريظة.
  • سيطر اليهود على الحياة الاقتصادية في المدينة (الزراعة والصناعة والتجارة).
  • كانوا يشعلون الفتن بين الأوس والخزرج ليستفيدوا من انقسامهم.

ثانياً: دعائم بناء الدولة الإسلامية

بدأ الرسول ﷺ فور وصوله في وضع الأسس التي ستقوم عليها الدولة الجديدة، وتمثلت هذه الدعائم في:

الدعامة الأولى: بناء المسجد

يُعد هذا المسجد الدعامة الأولى لبناء الدولة الإسلامية، ومكاناً مهماً انطلقت منه كافة شؤون الدولة. وقد اختار الرسول ﷺ المكان الذي بركت (جلست) فيه ناقته، وشارك مع أصحابه في بنائه.

أدوار المسجد المتعددة (لم يكن للعبادة فقط)

  • دور ديني (عبادي): مكاناً للصلاة والعبادة.
  • دور تعليمي (مدرسة): ليتفقه المسلمون في أمور دينهم.
  • دور اجتماعي: ملتقى للمسلمين لتحقيق الوحدة والألفة، ومأوى للصحابة المهاجرين (أهل الصفة).
  • دور سياسي وعسكري: مركزاً لإدارة شؤون الدولة العسكرية والسياسية، واستقبال الوفود.

من خطبة الرسول ﷺ الأولى بالمسجد

"أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام..."

"...أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، قد أفلح من زينه الله في قلبه وأدخله في الإسلام بعد الكفر، واختاره على ما سواه من أحاديث الناس، إنه أحسن الحديث وأبلغه. أحبوا من أحب الله، أحبوا الله من كل قلوبكم..."

الدعامة الثانية: المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

هي الدعامة الثانية، حيث آخى الرسول ﷺ بين المهاجرين (أهل مكة الذين هجروا ديارهم) والأنصار (أهل المدينة من الأوس والخزرج). كانت هذه المؤاخاة نموذجاً فريداً للتكافل الاجتماعي.

أسباب نفسية ووجدانية

  • أراد الرسول ﷺ أن يعالج حنين المهاجرين لمكة وأهلهم.
  • إزالة وحشة الغربة عن المهاجرين، وإشعارهم بالأمان والطمأنينة في مجتمعهم الجديد.

أسباب اقتصادية

  • كان المهاجرون قد تركوا أموالهم وديارهم في مكة (عقبات اقتصادية).
  • لم تكن لديهم خبرة كافية بالزراعة أو الصناعة، التي كانت تمثل أساس اقتصاد المدينة، بينما كانت خبرتهم في التجارة.

أسباب اجتماعية

  • رغبة الرسول ﷺ في إقامة مجتمع جديد متماسك ومترابط.
  • إحساس المهاجرين بأنهم جزء أصيل من هذا المجتمع الجديد الذي يحميهم ويدافع عنهم.

موقف الأنصار من المؤاخاة

  • استجاب الأنصار بحب وإيثار لا مثيل لهما.
  • قاسموا إخوانهم المهاجرين ممتلكاتهم وبيوتهم، وقدموا لهم كل عون.
  • تخلوا عن عصبياتهم القبلية وتنافسوا في إكرام إخوانهم.

نتائج المؤاخاة

  • تقوية الجبهة الداخلية وبناء مجتمع مترابط.
  • إنهاء العصبيات القبلية وإحلال "رابطة العقيدة الإسلامية" محلها.
  • مواساة المهاجرين وتعويضهم مادياً ونفسياً عما فقدوه.
  • تأسيس مجتمع جديد قائم على الحب والإيثار والتكافل.

الدعامة الثالثة: صحيفة المدينة (الدستور)

أراد الرسول ﷺ تنظيم العلاقة بين كافة فئات المجتمع في المدينة (مهاجرين، أنصار، ويهود)، فوضع "صحيفة" تُعتبر بمثابة دستور يحدد حقوق وواجبات كل فرد، ويُنظم العلاقة بين جميع الطوائف.

أهم بنود الصحيفة (حقوق وواجبات)

  • الأمة الواحدة: "المسلمون من قريش ويثرب ومن تبعهم... أمة واحدة من دون الناس". (تأسيس "الأمة السياسية").
  • التكافل الاجتماعي: "التكافل الاجتماعي بين فصائل الشعب (دفع الديات وفداء الأسرى) بالمعروف والقسط بين المؤمنين".
  • الوحدة ضد العدوان: "وأن المؤمنين المتقين أيديهم على كل من بغى منهم... وأنهم يد واحدة عليه".
  • احترام الأمان: "وأن ذمة الله واحدة، يجير عليهم أدناهم".
  • أمن أهل الذمة (اليهود): "وأن لليهود دينهم وللمسلمين دينهم... إلا من ظلم وأثم". (حرية العقيدة).
  • التعاون المالي: "وأن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم".
  • الدفاع المشترك: "وأن بينهم النصر على من دهم يثرب". (أمن الوطن).
  • النصح والبر: "وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم".
  • نصرة المظلوم: "وأن النصر للمظلوم".
  • المرجعية العليا: "وأن ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله ﷺ".

الدعامة الرابعة: البناء الاقتصادي (مواجهة العقبات)

واجهت الدولة الجديدة عقبات اقتصادية واجتماعية، تمثلت في أن المهاجرين أصبحوا بلا مسكن أو مال أو عمل، وصعوبة استيعاب المدينة للأعداد المتزايدة، وافتقار المهاجرين لخبرة الزراعة التي هي عماد اقتصاد المدينة.

إجراءات الرسول ﷺ للتنمية الاقتصادية

  • إحياء الأرض المهملة: وذلك من خلال إرساء مبدأ «من أحيا أرضاً مواتاً (ميتة) فهي له»، بهدف استثمار الموارد وزيادة الرقعة الزراعية.
  • تنظيم الري: وذلك بتنظيم العمل بمياه الري التي تفيض من أودية المدينة (مثل وادي بطحان ووادي قناة).
  • إنشاء سوق المدينة: وذلك لكسر احتكار اليهود الاقتصادي، ولتعليم المسلمين أن الاستثمار والتجارة مصدر مهم للكسب. وألزم السوق بمبادئ الإسلام (الأمانة، الصدق، عدم الغش).

الدعامة الخامسة: تأمين الدولة وحمايتها (إعداد الجيش)

أصبح الكيان الجديد للدولة الإسلامية في حاجة ماسة إلى قوة عسكرية تدافع عنه وتحميه من الأخطار الداخلية والخارجية.

أسباب الاهتمام بإعداد جيش قوي

  • الحفاظ على كيان الدولة الوليدة وصد هجمات المعتدين.
  • حماية نشر رسالة الإسلام وتأمينها لتصل إلى كل أنحاء العالم.

أهمية البعوث والسرايا والغزوات

  • فرض الهيبة: بسط هيبة الدولة الوليدة حتى لا يفكر أحد في مواجهتها.
  • التحالفات: كسب بعض القبائل وتحييد قبائل أخرى في الصراع الدائر بين مكة والمدينة.
  • التأمين الاقتصادي: تأمين طرق التجارة وتوجيه ضربات اقتصادية لقريش.