شرح درس ثورة مصر القومية عام ١٩١٩ | تاريخ ثالثه ثانوي

ثورة مصر القومية عام ١٩١٩

يُعد هذا الدرس نقطة تحول في تاريخ مصر الحديث. فبعد سنوات طويلة من الكفاح الوطني ضد الاحتلال البريطاني، والذي خفت صوته أحياناً واشتعل أحياناً أخرى (كما رأينا في كفاح مصطفى كامل ومحمد فريد)، جاءت الحرب العالمية الأولى لتغير موازين القوى وتطلق شرارة "ثورة قومية شاملة" غيرت وجه مصر.

سنتعرف في هذا الدرس على أحوال مصر قبل الثورة، والأسباب التي أدت لاندلاعها، وكيف بدأت مقدماتها بجهود "سعد زغلول" ورفاقه، ثم نتتبع أحداث الثورة وموقف الاحتلال البريطاني منها، وصولاً إلى لجنة ملنر ومفاوضاتها.

أولاً: أحوال مصر قبل ثورة ١٩١٩ (أثناء الحرب العالمية الأولى)

بدأت الحرب العالمية الأولى في أغسطس ١٩١٤. فور اندلاع الحرب، اتخذت إنجلترا (التي تحتل مصر) إجراءات عنيفة أنهت علاقة مصر بالدولة العثمانية بشكل رسمي، وسخرت كل موارد مصر لخدمة مجهودها الحربي.

إجراءات بريطانيا في مصر أثناء الحرب (١٩١٤ - ١٩١٨)

أنهت إنجلترا السيادة العثمانية الاسمية على مصر، وفرضت إجراءات مشددة:

  • إنهاء السيادة العثمانية: أعلنت "الحماية البريطانية" على مصر في ديسمبر ١٩١٤.
  • عزل الخديوي: قامت بعزل الخديوي "عباس حلمي الثاني" (بسبب مواقفه الوطنية) وعينت عمه "السلطان حسين كامل" (منحته لقب "سلطان"). (وبعد وفاته تولى أخوه "السلطان أحمد فؤاد الأول").
  • تجنيد المصريين: جندت "إجبارياً" مئات الآلاف من المصريين للعمل في خدمة القوات البريطانية (كعمال وسائقين).
  • مصادرة الموارد: استولت على "المواشي" و "الحبوب" من الفلاحين بأبخس الأثمان.
  • الاستيلاء على الخطوط الحديدية: استولت على شبكة السكك الحديدية والموانئ لخدمة المجهود الحربي.
  • قيود اقتصادية: فرضت "الأحكام العرفية" (قوانين الطوارئ) و "كممت الصحافة"، ومنعت انعقاد الجمعية التشريعية.

النتيجة: أشعرت هذه الإجراءات العنيفة المصريين بأنهم في "سجن كبير"، مما زاد من غضبهم وترقبهم لانتهاء الحرب.

العوامل التي ساعدت على اشتعال الثورة

بالإضافة إلى الإجراءات البريطانية القمعية، ظهرت عوامل دولية ساهمت في رفع سقف طموحات المصريين:

  • مبادئ الرئيس ويلسون: إعلان الرئيس الأمريكي "ويلسون" لـ "المبادئ الأربعة عشر"، وأهمها مبدأ "حق الشعوب في تقرير مصيرها" (أي حق كل أمة في الحصول على استقلالها).
  • هزيمة الدولة العثمانية: هزيمة الدولة العثمانية في الحرب، فسقطت فكرة "الجامعة الإسلامية" التي كان المصريون يتمسكون بها، وبرزت بدلاً منها فكرة "القومية المصرية" (الاستقلال التام عن العثمانيين والإنجليز معاً).

(سؤال مقالي):
"كانت الحرب العالمية الأولى حدثاً كارثياً على مصر، ولكنها في نفس الوقت حملت بذور الأمل في الاستقلال".
وضح كيف أدت إجراءات بريطانيا القمعية ومبادئ ويلسون الدولية إلى تهيئة المناخ للثورة؟

ثانياً: مقدمات الثورة (دور سعد زغلول والوفد المصري)

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى (نوفمبر ١٩١٨)، بدأت التحركات الفعلية للمطالبة بالاستقلال.

تأليف الوفد المصري

بعد الحرب مباشرة، قام "سعد زغلول" بتأليف وفد من كبار الوطنيين (ضم سعد زغلول، وعبد العزيز فهمي، وعلي شعراوي)، وتوجهوا لمقابلة المعتمد البريطاني "السير ونجت".

الهدف من المقابلة: المطالبة بالسماح لهم بالسفر إلى "مؤتمر الصلح" في باريس، لعرض قضية استقلال مصر على الدول الكبرى (استناداً إلى مبادئ ويلسون).

مطالب الوفد:

  • (١) إنهاء الحماية البريطانية على مصر.
  • (٢) إلغاء الأحكام العرفية.
  • (٣) إلغاء الرقابة على الصحف والمطبوعات.

الصدام مع سلطات الاحتلال (جمع التوكيلات)

اعترض المعتمد البريطاني على سفر الوفد، بحجة أن هؤلاء الثلاثة (سعد ورفاقه) "لا يمثلون الشعب المصري" ولا يملكون صفة رسمية للتحدث باسمه.

الرد: بدأ "سعد زغلول" و "الوفد" في التحرك لـ "جمع توكيلات" من الأمة المصرية، ليثبتوا أنهم هم الممثلون الحقيقيون للشعب.

النتيجة: نجحت حركة جمع التوكيلات بشكل هائل، وأصبح "الوفد" هو العمود الفقري للحركة الوطنية، و "سعد زغلول" هو زعيم الأمة.

نفي سعد زغلول (شرارة الثورة)

أدركت سلطات الاحتلال البريطاني خطورة الموقف، فقامت بـ "اعتقال سعد زغلول" وثلاثة من زملائه (مارس ١٩١٩).

وقامت بـ "نفيهم" إلى "جزيرة مالطا" في البحر المتوسط.

النتيجة: كان هذا الاعتقال والنفي هو "الشرارة" التي أشعلت غضب المصريين وأدت إلى اندلاع "ثورة ١٩١٩" الشاملة.

(علل): لماذا لجأ سعد زغلول إلى "الشعب" لجمع التوكيلات قبل السفر لمؤتمر الصلح؟

ثالثاً: أحداث ثورة ١٩١٩ (الثورة الشعبية الشاملة)

كانت ثورة ١٩١٩ "ثورة شعبية شاملة" حقيقية، وهي الأولى في تاريخ مصر الحديث التي تظهر "الوحدة الوطنية" بهذا الشكل الواضح.

مظاهر الثورة

  • البداية: بدأت الثورة في "القاهرة" بمظاهرات حاشدة للطلاب، ثم انضم إليهم العمال والموظفون.
  • الانتشار: امتدت الثورة إلى "كافة الأقاليم" في الدلتا والوجه القبلي (مدن وقرى).
  • الوحدة الوطنية: كانت السمة الأبرز للثورة. شارك فيها "عنصرا الأمة" (المسلمون والأقباط) جنباً إلى جنب، واتحد الهلال مع الصليب، وألقى القساوسة الخطب في الأزهر، وألقى المشايخ الخطب في الكنائس.
  • مشاركة المرأة: شاركت "المرأة المصرية" لأول مرة في التاريخ الحديث في مظاهرات سياسية منظمة، وسجلت تطوراً اجتماعياً خطيراً، وبلغ عدد المتظاهرات ٣٠٠ امرأة، وتعرضن لإطلاق النار والاستشهاد.

نتائج الثورة (الإفراج عن سعد)

أمام هذه الثورة الشاملة التي أربكت الاحتلال (قطع خطوط السكك الحديدية، والمواجهات العنيفة)، أدركت الحكومة البريطانية أنها أمام ثورة شعبية لن تهدأ بالقمع.

النتيجة: قررت بريطانيا تغيير سياستها:

  • (١) "الإفراج" عن سعد زغلول ورفاقه (أبريل ١٩١٩).
  • (٢) "السماح" لهم بالسفر إلى "باريس" لعرض قضية مصر في "مؤتمر الصلح".

صدمة مؤتمر الصلح (باريس)

عندما وصل "الوفد المصري" إلى باريس، اصطدموا بصدمة كبرى.

حيث تآمرت الدول الكبرى على القضية المصرية، وقام "مؤتمر الصلح" بـ "الاعتراف بالحماية البريطانية على مصر"، بما فيهم الرئيس الأمريكي "ويلسون" صاحب مبدأ حق تقرير المصير.

النتيجة: فشل الوفد في باريس، وعاد المصريون للكفاح من جديد.

اختر الإجابة الصحيحة:
أظهرت أحداث ثورة ١٩١٩ فشل سياسة المعتمد البريطاني...
(أ) كرومر في قمع الوعي.
(ب) جورست في التمصير.
(ج) كتشنر في القبضة الحديدية.
(د) ونجت في احتواء الحركة الوطنية.

رابعاً: النتائج المترتبة على الثورة (لجنة ملنر)

بعد فشل مؤتمر الصلح في تحقيق الاستقلال، وفشل بريطانيا في قمع الثورة بالقوة، قررت إنجلترا تغيير استراتيجيتها مرة أخرى بإرسال "لجنة تفاوض".

لجنة ملنر (ديسمبر ١٩١٩)

أرسلت الحكومة البريطانية لجنة برئاسة "اللورد ملنر" (وزير المستعمرات البريطاني) إلى مصر.

هدفها الظاهري: إقناع الشعب المصري بـ "قبول الحماية البريطانية" والوصول لحل للقضية.

موقف الشعب المصري: أدرك الشعب المصري أن التفاوض مع "ملنر" يعني "التنازل عن وكالة الوفد" (الذي يرأسه سعد زغلول). لذلك، قامت "لجنة الوفد المركزية" (بقيادة عبد الرحمن فهمي) بتوعية الشعب بضرورة "مقاطعة" لجنة ملنر.

فشل لجنة ملنر

نجحت المقاطعة الشعبية نجاحاً باهراً، حتى أن تلاميذ المدارس الصغار قاطعوا اللجنة ونظموا مظاهرات عنيفة ضدها.

النتيجة: أدرك "ملنر" أنه لن يتمكن من التفاوض إلا مع "سعد زغلول" (الممثل الحقيقي للأمة)، وأن الشعب متمسك بالوفد وقائده.

وهكذا، بدأت "مرحلة المفاوضات المصرية البريطانية" بين سعد وملنر.

(علل): لماذا أدرك "اللورد ملنر" أنه لا سبيل أمامه سوى التفاوض مع "سعد زغلول"؟