القاعدة القانونية وخصائص الإلزام والجزاء | مدخل العلوم القانونية
القاعدة القانونية: خاصية الإلزام والجزاء
في هذا الدرس، نستكمل دراسة خصائص القاعدة القانونية، ونتعمق في الخاصية الأهم والأكثر تمييزاً لها: وهي كونها "قاعدة ملزمة ومقترنة بجزاء".
سندرس بالتفصيل معنى "الجزاء" (Sanction)، ووظائفه، والجدل الفقهي حول ما إذا كان "ركن" أم "نتيجة"، ثم نختتم بالتعرف على خصائصه وصوره المختلفة (الجنائي، المدني، الإداري).
المطلب الثالث: القاعدة القانونية قاعدة ملزمة ومقترنة بجزاء (1)
(La règle de droit est une règle obligatoire)
(Le caractère alastique de la contra)
22. أولاً: معنى الجزاء ووظائفه
22. يُعرف الجزاء (أو sanction) بأنه "رد الفعل الذي تواجه به الجماعة من يخرج على قواعد القانون"، أو هو "الأثر المترتب على مخالفة القاعدة القانونية".
ويُعد الجزاء من أهم الخصائص التي تميز القاعدة القانونية عن غيرها من القواعد الاجتماعية الأخرى، مثل قواعد الدين والأخلاق والمجاملات، وهو يؤدي وظيفتين لضمان إعمال الإلزام في القاعدة القانونية.
الوظيفة الأولى للقاعدة القانونية (1) وقائية، قبل الإقدام على المخالفة؛ فالجزاء يمنع الأفراد من المخالفة أصلاً، فمن يهم بجريمة سرقة أو ضرب أو قتل، يعرض عن إجرامه إذا ما تذكر الجزاء الذي سيحل به.
والوظيفة الثانية للجزاء (2) رادعة، بعد الإقدام على المخالفة؛ فمن يخالف القاعدة القانونية، يوقع عليه الجزاء، فيكون ذلك رادعاً له ولكل من تسول له نفسه الإقدام على ذات المخالفة.
أما الوظيفة التي تقوم بها هذه الواجهة الواقعية التي تطبق أي إزاحة إرادتها، أو إرغام، أو عقاب، مرتكب المخالفة. والتحقيق هذه الوظيفة الواقعية هي التي شكلت الوسيلة الوحيدة التي تتمكن أي إزاحة بها، علم الشخص أخل بضرورة تطبيق هذه القاعدة، فإنه سيعاقب بهذا الجزاء، لأنه ارتكب من إبداء استجابة، فإن إخفاقه أي أن ترتكب من استجابة، فإن إخفاقه، أي أن ترتكب أي أن من إبداء استجابة، فإن إخفاقه أن من استجابة، فإن من إبداء استجابة، أي أن ترتكب من استجابة.
(سؤال للمناقشة):
ما هي الوظيفة المزدوجة (الوقائية والرادعة) للجزاء؟
23. ثانياً: الجزاء من الأركان والنتائج (الجدل الفقهي)
23. اختلف الفقه حول مدى أهمية الجزاء بالنسبة لوجود القاعدة القانونية، وذهب البعض إلى حد عدم تصور وجود قاعدة قانونية بالمعنى الدقيق ما لم تكن مقترنة بجزاء. وانقسم الفقه إلى رأيين:
-
الرأي الأول: الجزاء ركن من أركان القاعدة القانونية:
يذهب هذا الرأي إلى أن الجزاء لا يعد عنصراً خارجاً عن القاعدة القانونية، بل هو ركن من أركانها أو جزء لا يتجزأ منها. وعلى هذا النحو، يرى جانب من هذا الفقه أنه لا يمكن أن نتصور وجود قاعدة قانونية لا يترتب على مخالفتها جزاء. -
الرأي الثاني (الرأي المضاد): الجزاء عنصر ضروري ولكنه ليس ركناً:
(ص 26) يذهب هذا الرأي من الفقه إلى ضرورة التفرقة بين وجود القاعدة القانونية وبين ركن الجزاء. هذه القاعدة، يجب أن يكون لها مضمون، أي أن تتضمن أمراً أو نهياً. أما الجزاء فلا يتصور له أن يكون جزءاً من ركن القاعدة، لأن الجزاء ليس ركناً من شروط وجودها، وإنما هو أثر من آثارها أو بعبارة أخرى، هو ضمان لتطبيقها. -
الرد على الرأي المضاد:
(ص 26 - 28) ويرد أصحاب الرأي الأول على القائلين بأن قواعد القانون الدولي العام أو الدستوري هي قواعد قانونية رغم عدم وجود الجزاء، بالقول:
أولاً، أن هذه القواعد (الدولية والدستورية) هي قواعد قانونية ناقصة أو في طور التكوين.
ثانياً، أن الجزاء موجود بالفعل في القانون الدولي (كالمقاطعة الاقتصادية أو الحرب) وفي القانون الدستوري (مثل الرقابة السياسية أو رقابة القضاء على دستورية القوانين). -
خلاصة النقاش:
(ص 26) ومن كل هذا الجدل، نخلص إلى القول بأن الجزاء، وإن كان عنصراً لاحقاً على وجود القاعدة القانونية، إلا أنه يعد عنصراً ضرورياً ولازماً، لأن القاعدة القانونية التي لا يترتب على مخالفتها جزاء، تفقد أهميتها وتصبح مجرد نصيحة أو إرشاد.
(سؤال للمقارنة):
لخص الجدل الفقهي حول ما إذا كان "الجزاء" ركناً أم مجرد نتيجة للقاعدة القانونية.
ثالثاً: شروط الجزاء لوجود القاعدة القانونية
(ص 26) من المتصور أن يتضمن الجزاء في القاعدة القانونية، ولكي توجد القاعدة القانونية، شروطاً ثلاثة:
- الشرط الأول: أن يتضمن أمراً أو نهياً.
- الشرط الثاني: أن يكون هذا الأمر أو النهي مصحوباً بجزاء.
- الشرط الثالث: أن يكون هذا الجزاء مادياً وملموساً.
24. ثالثاً (مكرر): الجزاء في معناه الفني الدقيق
(ص 28) 24. لكن ليس معنى هذا القول أن القانون في المجتمعات الحديثة لا يستطيع أن يتضمن لنفسه في جميع الأحوال، جزاء فعالاً. فقد أجازت القوانين الوضعية للفرد أن يقتضي لنفسه في بعض الحالات الاستثنائية التي يأتي في مقدمتها حق الدفاع الشرعي.
25. رابعاً: خصائص الجزاء
(ص 30) 25. يتميز الجزاء في القاعدة القانونية بخصائص تميزه عن غيره من الجزاءات التي تصاحب القواعد الاجتماعية الأخرى التي تحكم سلوك الأفراد في المجتمع، ويمكننا إجمال الخصائص التي يتميز بها الجزاء في القاعدة القانونية فيما يلي:
-
(أ) الجزاء في القاعدة القانونية ذو طابع مادي ملموس:
لأنه لا يكتفي، بسبل الضعف، لحكم تلك القاعدة القانونية التي تقع عليهم، وإنما هو جزاء، في صورة ألم يقع على الفرد المخالف في جسمه أو في ماله. أما الجزاء في القواعد الاجتماعية الأخرى مثل قواعد الأخلاق والمجاملات، فهو يتمثل في تأنيب الضمير أو استهجان المجتمع. -
(ب) يتميز الجزاء في القاعدة القانونية بأنه حال غير مؤجل:
فهو يوقع على مرتكب الفعل المخالف للقاعدة القانونية في الحياة الدنيا فور ارتكاب المخالفة، أما الجزاء المترتب على مخالفة قواعد الدين مثلاً، فهو جزاء مؤجل، أي في الحياة الأخرى - يوم القيامة. -
(ج) الجزاء في القاعدة القانونية تقوم بتطبيقه السلطة العامة في الدولة:
وهذا لا يعني، ووفقاً للأصول المرعية، بأن للفرد حق اللجوء إلى القوة أو الانتقام لنفسه. بل يتوقع الجزاء باسمه، متى بإمكانه ذلك، جبراً للضرر الواقع عليه. فالغالب، أن الفرد يعمد إلى مطالبة السلطة العامة في الدولة بتوقيع الجزاء على المخالف، معجلاً، مطبقاً، ناجزاً، في الأحوال الاستثنائية التي يأتي في مقدمتها حالة الدفاع الشرعي عن النفس أو المال.
(سؤال توضيحي):
ما هي الخصائص الثلاث التي تميز الجزاء القانوني عن غيره (مثل الجزاء الديني أو الأخلاقي)؟
26. خامساً: صور الجزاء (1)
(ص 30) 26. يتخذ الجزاء المترتب على مخالفة القاعدة القانونية عدة صور بحسب نوع القاعدة القانونية التي تمت مخالفتها. فسوف نرى فيما بعد أن القانون له أقسام وفروع عدة، وتتنوع الجزاءات بتنوع ووظائف كل فرع من فروع القانون إلى فرع آخر. ويُعد أفضل الفقهاء صور الجزاء جميعاً في ثلاث صور فحسب، نتناولها بشيء من التفصيل فيما يلي:
(1) الجزاء الجنائي: (27 - 28)
27. (1) تعريف الجزاء الجنائي:
يكمن تعريف الجزاء الجنائي "la peine la sanction pénala" من الدولة على من يرتكب فعلاً من الأفعال المجرمة وفقاً لنصوص القانون الجنائي. ويعد الجزاء الجنائي أشد أنواع الجزاءات، قسوة، فهو يهدف في المقام الأول إلى إيلام الجاني أو مرتكب الجريمة على الجرم الذي ارتكبه في حق فرد، أو في حق المجتمع ككل.
28. (2) أنواع الجزاءات الجنائية:
تتدرج الجزاءات الجنائية من حيث جسامتها، فتقسم الجرائم إلى ثلاثة أنواع من حيث خطورتها:
-
أولاً: من حيث جسامتها (تقسيم الجرائم):
تنقسم إلى: الجنايات (كالقتل العمد والسرقة)، ثم الجنح (كالسرقة البسيطة)، ثم المخالفات (كمخالفات المرور). -
ثانياً: من حيث طبيعتها (أنواع العقوبات):
تنقسم إلى: العقوبات البدنية (كالإعدام)، العقوبات المقيدة للحرية (كالسجن والحبس)، العقوبات المالية (كالغرامة والمصادرة)، العقوبات السالبة للحقوق (كالحرمان من تولي الوظائف العامة).
(اختر الإجابة الصحيحة):
يعتبر الجزاء الجنائي أشد أنواع الجزاءات، ويهدف إلى:
(أ) إعادة المال لصاحبه.
(ب) إيلام الجاني وردع المجتمع.
(ج) إلغاء القرار الإداري المخالف.
(2) الجزاء المدني (تعريفه والفارق): (29 - 31)
(ص 32) 29. (3) الجزاء المدني:
يختلف الجزاء المدني، فكل شكل، في واحد، فهو لا يقصد به مجرد إزالة الأثر المخالفة التي تقع، بل إنه يكون القانون محدد، ولهذا يرمي أيضاً إلى إيلام الجاني أو مرتكب الجريمة بحيث لا يعود لمثله هذا من أخرى. ويحفر في الوقت نفسه، غيره من الأفراد على ارتكابه.
30. (أ) تعريف الجزاء المدني:
يقصد بالجزاء المدني "la sanction civil" ذلك الجزاء الذي يترتب مال الاعتداء على أحد الحقوق الخاصة التي تنظمها قواعد القانون المدني.
31. (ب) الفارق بين الجزاء المدني والجزاء الجنائي:
يختلف الجزاء المدني بهذا الشكل عن الجزاء الجنائي من حيث الأساس الذي يقوم عليه كل منهما، فالجزاء الجنائي - كما يبدو من تعريفه - يهدف إلى حماية حق خاص عن طريق جبر الأثر بالاعتدء أو المعاقبة.
أما الجزاء المدني فهو يرمي كما رأينا إلى معاقبة من يخرج على نظام المجتمع جبراً له، أو إجباراً له على السير، وبالتالي، فإن ذلك يتضح، فليس بين الجزاءين تناقض.
أولهما، أنه القاعدة الجنائية تفترض بجوز للمضرور من الجاني في القانون أن يتنازل عن حقه في مواجهة الجاني، بينما لا يجوز للمضرور من الجريمة في القانون الجنائي ذلك. وثانياً، عامة أن جريمة عن مخالفة في مواجهة المجني عليه، من القانون، من العقوبة، أن تتنازل عن جريمة إجرائياً، إما بعد خطأ، مقاساً بالمجني عليه، فذلك لأن آثار الجريمة المارة تصيب المجتمع في جميع أحواله. أما بالنسبة ثانياً، فإن الذي يختص برفع الدعوى الجنائية في حال ارتكاب مخالفة تستوجب توقيع جزاء مدني، هو الشخص المضرور من المخالفة فقط.
(سؤال للمقارنة):
ما هو الهدف الأساسي للجزاء "الجنائي"؟ وما هو الهدف الأساسي للجزاء "المدني"؟
صور الجزاء المدني: (I) التنفيذ العيني (32-33)
(ص 32) 32. (I) الجزاء المباشر أو التنفيذ العيني للالتزام:
معناه إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل وقوع المخالفة. فمن يشرع في بناء حائط، دون أن يحصل على ترخيص، يكون الجزاء هو "هدم الحائط". ومن يمتنع عن تسليم المبيع، يكون الجزاء هو "انتزاع المبيع منه جبراً" وتسليمه للمشتري.
33. (I) الجزاء المباشر (التنفيذ العيني للالتزام) (تابع):
يقصد بالتنفيذ العيني للالتزام "la sanction d'execution" الاستجابة عين ما التزم به. إذا ما امتنع عن تنفيذه طواعية. فإذا كان الإجبار ممكناً وليس فيه "إرهاق للمدين"، وتحترمه.
(ص 33) غالباً ما يلجأ إلى هذا النوع من الجزاءات عند استحالة اللجوء إلى الجزاء الأصلي - وهو التنفيذ العيني للالتزام - فيصبح هذا الجزاء بمثابة الجزاء الأصلي المباشر، فلو أن شخصاً دهس آخر بسيارته مثلاً، فليس أمام القاضي في هذه الحالة من بد سوى أن يحكم على المعتدي بالتعويض لجبر أو إزالة الأضرار المادية التي لحقت بالمضرور والأضرار الأدبية التي لحقت بأهله.
فالتنفيذ العيني للالتزام بقواعد المرور هنا أصبح مستحيلاً، فليس في مقدور المعتدي أن يرجع بالزمن إلى الوراء ويحترم قواعد المرور حتى لا يتعرض للحادث. وكذلك لو أن محامياً مثلاً قام بإفشاء أسرار موكله، وقد كان ملتزماً أمامه بالتزام قانوني يوجب عليه حفظ هذه الأسرار وعدم إفشائها، فإنه يستحيل في هذه الحالة إزالة المخالفة أو إزالة آثارها بطريق التنفيذ العيني للالتزام، فيصبح اللجوء إلى التنفيذ بمقابل هنا أيضاً كجزاء أصلي مباشر.
(سؤال توضيحي):
ما معنى "التنفيذ العيني" كصورة للجزاء المدني؟ ومتى يصبح هذا التنفيذ "مستحيلاً"؟
صور الجزاء المدني: (II) الجزاء غير المباشر (التعويض) (34)
(ص 32) 34. (II) الجزاء غير المباشر (التعويض) (indemnisation أو l'execution):
يقع في "مبلغ من المال يدفعه المعتدي أو المخالف لقاعدة قانونية مدنية" لتعويض المضرور، وذلك عن كل ما لحق هذا الأخير من ضرر.
ويكون الجزاء المدني غير مباشر، غير أنه، في بعض الأحيان، يتعذر إجبار المدين على تنفيذ التزامه عيناً، كما أن يكون تنفيذ الالتزام عيناً مرهقاً، كما في حالة الجزاء الأصلي، ويمكننا توضيح هذه الحالات الثلاث، التي يطلق عليها البعض تعويض.
(ص 33) وهناك حالات أخرى يبدو فيها التنفيذ بمقابل كجزاء غير مباشر، وذلك عندما يصبح التنفيذ العيني للالتزام غير ممكن إلا بتدخل المدين شخصياً، ويكون في هذا التنفيذ مساس بشخصه وحريته، فلو أن مطرباً مثلاً قد تعهد بإحياء حفل ساهر أو أن فناناً قد تعهد برسم لوحة فنية، ثم نكل كل منهما عن الوفاء بما التزم به، فإنه لا يمكن جبراً هما على تنفيذ التزامهما لما في ذلك مساس بحريتهما الشخصية.
ولذا يكتفي في مثل هذه الحالات بالحكم بالتعويض للدائن، فيكون التعويض هنا بمثابة الجزاء غير المباشر، لأنه حل محل الجزاء الأصلي وهو التنفيذ العيني للالتزام الذي أصبح متعذراً.
(ص 33) وهناك بعض الحالات التي يبدو فيها التنفيذ بمقابل أو بطريق، التعويض، كجزاء تكميلي، يقف جنباً إلى جنب بجوار الجزاء الأصلي، فإذا امتنع أحد المتعاقدين مثلاً عن تنفيذ التزامه المترتب على العقد، فإن للمتعاقد الآخر أن يطلب فسخ العقد - وهو الجزاء المباشر كما سنرى حالاً - للتحلل من التزاماته الناشئة عن العقد.
ويسترد ما قد سبق وأداه، كما يكون من حقه أيضاً أن يطالب بالتعويض عن الضرر الذي أصابه من جراء عدم تنفيذ الطرف الآخر لالتزاماته، وهذا هو الجزاء التكميلي.
(اختر الإجابة الصحيحة):
إذا تعهد "مطرب" بإحياء حفل ثم رفض، فإن الجزاء المدني المناسب هو:
(أ) التنفيذ العيني (إجباره على الغناء بالقوة).
(ب) الجزاء غير المباشر (التعويض المالي).
(ج) الجزاء الجنائي (الحبس).
صور أخرى للجزاء (الإجرائي والإداري)
(ص 32) هناك صور أخرى للجزاء، منها:
-
(3) الجزاءات الإجرائية أو الشكلية:
هي التي تترتب على مخالفة القواعد الشكلية (الإجرائية)، مثل البطلان، أو عدم القبول، أو سقوط الحق في رفع الدعوى (التقادم). -
(4) الجزاءات الإدارية:
وهي الجزاءات التي توقعها السلطة الإدارية على الموظفين التابعين لها عند ارتكاب مخالفة، مثل (الإنذار، الخصم من المرتب، الوقف عن العمل، أو الفصل).