قضايا قانونية

قضايا جنائية

جرائم السرقة والاحتيال والاعتداء الجنائي

... ...

قضايا الشركات

نقاشات حول نزاعات وعقود الشركات

... ...

قضايا مدنية

نزاعات العقود والملكية والتعويضات المالية

... ...

قضايا أحوال شخصية

نقاشات حول الزواج والطلاق والميراث

... ...

قضايا جرائم الإنترنت

الاحتيال عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي

... ...

قضايا الرأي العام

القضايا الشائعه في المجتمع المصري

... ...

قضايا النصب والاحتيال

خداع مالي ونصب احتيالي متكرر

... ...

قضايا دستورية

حقوق المواطنين وقوانين الدولة الأساسية

... ...

استشارات قانونية بارزة

    المواد التعليمية

    تاريخ الصف الثالث الثانوي

    عهد محمد علي، الاحتلال، وثورة 23 يوليو

    ... ...

    دراسات الصف الثالث الإعدادي

    جغرافية العالم، وتاريخ مصر الحديث والصراع العربي الإسرائيلي

    ... ...

    علم نفس الصف الثاني الثانوي

    الدوافع، الانفعالات، والعمليات المعرفية (الإحساس والإدراك)

    ... ...

    فلسفة ومنطق الصف الأول الثانوي

    أساسيات التفكير الإنساني ومبادئ المنطق (الحدود والقضايا)

    ... ...

    موصى به لك

      التمييز بين القواعد القانونية والقواعد الاجتماعية | أولى حقوق

      التمييز بين القواعد القانونية والقواعد الاجتماعية الأخرى

      39. قلنا آنفاً أنه ليست القواعد القانونية التي تضعها السلطة العامة في الدولة وحدها هي التي تحكم سلوك الأفراد في المجتمع، فهناك قواعد أخرى تحكم ذلك السلوك وتقف جنباً إلى جنب بجوار القواعد القانونية.

      وهذه القواعد يمكن إجمالها في ثلاثة أنواع هي: قواعد الدين، وقواعد الأخلاق، وأخيراً قواعد المجاملات.

      وتشترك قواعد القانون مع هذه القواعد الثلاث في عدة خصائص، غير أنها تختلف عنها في خصائص أخرى أهمها: أن قواعد القانون تكون مصحوبة بجزاء مادي ملموس يوقع فور ارتكاب المخالفة على من يخالفها، بينما تتميز معظم القواعد الأخرى بوجود جزاء معنوي أو أدبي يُوقع على من يخالفها.

      وسنحاول فيما يلي بيان أوجه الشبه والخلاف بين قواعد القانون وغيرها من القواعد الأخرى التي تحكم سلوك الأفراد في المجتمع من خلال المقارنة بينها على النحو التالي...

      40. أولاً: المقصود بقواعد الدين وبيان أنواعها

      (Règles de droit et règles religieuses)

      40. يقصد بقواعد الدين (Les règles religieuses ou les commandements religieux) "تلك القواعد التي يوحي بها الله سبحانه وتعالى إلى رسله وأنبيائه ليبلغوها إلى الناس حتى تسير علاقتهم بربهم في حياتهم الدينية، وبذلك رضوان الله، وثوابه، ونجاتهم من سخطه وعقابه."

      وتتنوع الأحكام الدينية ثلاثة أنواع: النوع الأول يشمل الأحكام التي تبين أصول الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، كالتوحيد، وإثبات وجود الله، والإيمان باليوم الآخر، وما يستتبعه من بعث وحساب وجنة ونار (العقائد).

      وهذه، لا تهتم بها إلا القواعد الدينية، ولا توجد ثمة حاجة في أي مجتمع لتقريرها، وترتيب الأثر عليها، لكونها قواعد تتعلق بما هو كامن في ضمير الإنسان. النوع الثاني من الأحكام الدينية، فتلك التي تنظم علاقة الإنسان بربه، من دار عبادته، مثل إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، والحج، وما يلحق بهذا النوع الديني من هذه الأحكام.

      فأما القسم الثالث فيشمل الأحكام التي تحكم علاقات الأفراد بعضهم ببعض، أو علاقاتهم بغيرهم من أفراد المجتمع، كالبيع، والإيجار، والزواج، والطلاق، والميراث... إلخ (المعاملات).

      (سؤال توضيحي):
      ما هي الأقسام الثلاثة للأحكام الدينية؟ وأي قسم منها هو الذي يتقاطع مع القانون؟

      41. ثانياً: أوجه الشبه بين قواعد الدين وقواعد القانون

      41. تشترك قواعد القانون مع النوع الثالث من قواعد الأخيرة والتي يطلق عليها اسم "أحكام المعاملات"، تلك الأحكام تنظم سلوك الأفراد في المجتمع. فلقواعد الدين، علاوة على ما تهتم به من الروابط، فإنها تنظم سلوك الأفراد في المجتمع شأنها في ذلك شأن قواعد القانون، فكلاهما يهتم بتنظيم الروابط، كعلاقات الزواج والميراث والبيوع... إلخ.

      كما أن الدين قد تُعد، أقدم، أيضاً، بجزع، وقواعد القانون، فالدين قديم قدم الإنسان على هذه البسيطة، بينما القانون حديث العهد نسبياً. وهذا لا ينفي أن القانون قد استمد كثيراً من أحكامه من قواعد الدين، وبذلك يتفق معه، بل إنه يعد تطبيقاً لهذه القواعد.

      بل إن المتتبع لتطور المجتمعات الإنسانية يجد أن قواعد القانون سواء بسواء، قواعد الأخلاق، وقواعد المجاملات، كلها كانت مختلطة بقواعد الدين، ثم ما لبثت أن انفصلت عنها، وأصبحت كل منها قواعد مستقلة بذاتها.

      ويعزز البعض أن هناك فروع من القانون الوضعي، كقانون العقوبات، وقانون الأحوال الشخصية، لا زالت تستمد أحكامها من قواعد الدين. ومثال ذلك: نجد أن قانون العقوبات يجرم القتل والسرقة والنصب، وكلها أفعال يجرمها الدين، وكذلك الشأن بالنسبة لقواعد الزواج والطلاق والميراث... إلخ، فكلها قواعد مستمدة من الدين.

      وإذا كان القانون الوضعي، في بعض الدول، يستمد قواعده من الدين، فإن ذلك لا ينفي أن القانون الوضعي قد يختلف من مجتمع لآخر، ومن زمن لآخر، أما قواعد الدين، فهي قواعد ثابتة لا تتغير بتغير الزمان أو المكان.

      وإذا كان القانون يوجد في بعض جوانبه، يتفق مع قواعد الدين، فإن ذلك لا يعني أن القانون هو الدين، أو أن الدين هو القانون. فكلاهما يختلف عن الآخر في أمور شتى، سنتعرض لها فيما بعد.

      (سؤال للمناقشة):
      "القانون قد استمد كثيراً من أحكامه من قواعد الدين". اذكر أمثلة لقوانين وضعية ما زالت تستمد أحكامها من الدين.

      42. ثالثاً: أوجه الخلاف بين قواعد الدين وقواعد القانون

      42. على الرغم من هذا التقارب الواضح بين القواعد القانونية والقواعد الدينية، فهذا لا ينفي إطلاقاً أن هناك خلافاً بين هذين النوعين من القواعد، نوجزها فيما يلي:

      (أ) من حيث النطاق:

      • (أ) من حيث النطاق:

        القواعد الدينية أوسع نطاقاً من القواعد القانونية، فعلاوة على أنها تنظم سلوك الأفراد في المجتمع (المعاملات)، فهي أيضاً، وكما سبق وأن بينا، تنظم علاقة الفرد بربه (العبادات)، وعلاقة الفرد بنفسه (العقائد).

        أما القانون فلا يهتم إلا بالقواعد التي تنظم سلوك الأفراد في المجتمع، أما علاقة الفرد بربه أو بنفسه، فلا يهتم بها القانون، لأنها من الأمور الكامنة في ضمير الإنسان.

        وعلى هذا، وفي إطار النظرة الضيقة، فإن دائرة القواعد الدينية أوسع من دائرة القواعد القانونية، وأن دائرة القواعد القانونية أضيق من دائرة القواعد الدينية.

        فإذا نحن نظرنا إلى دائرة السلوك الاجتماعي التي تحكم سلوك الأفراد في المجتمع، فإننا نجد أن هناك خلافاً بين دائرة القواعد الدينية ودائرة القواعد القانونية، فكلاهما يتقاطعان في بعض الجوانب، ويختلفان في البعض الآخر.

        وهذا لا ينفي أن هناك من الأمور ما يهتم بها القانون ولا يهتم بها الدين، ومثال ذلك: القواعد المتعلقة بتنظيم المرور، أو تحديد مواعيد العمل الرسمية... إلخ، فهذه قواعد لا يهتم بها الدين، ويهتم بها القانون.

      (ب) من حيث الغاية:

      • (ب) من حيث الغاية:

        تختلف الغاية التي تسعى إليها القواعد القانونية عن الغاية التي ترمي إليها القواعد الدينية، فقواعد الدين، علاوة على ما تهدف إليه من تحقيق الأمن والاستقرار في المجتمع، فإنها تهدف أيضاً إلى غاية أسمى، وهي السمو بالإنسان نحو الكمال، وإرضاء الله سبحانه وتعالى، والفوز بالجنة، والنجاة من النار.

        أما غاية القانون، فهي غاية نفعية، تهدف إلى تحقيق الأمن والاستقرار في المجتمع، ولا تهتم، في سبيل ذلك، بالنوايا، وإنما بالسلوك الخارجي للأفراد.

        وترتيباً على ذلك، فإن القانون لا يهتم، مثلاً، ببعض الرذائل، كالكذب، والحسد، والرياء... إلخ، فهذه أمور يهتم بها الدين، ولا يهتم بها القانون، إلا إذا ترتب عليها ضرر للغير، كشهادة الزور، أو النصب، أو الاحتيال... إلخ، فهنا يتدخل القانون، ليس ليعاقب على الكذب، وإنما ليعاقب على الضرر الذي لحق بالغير.

      (ج) من حيث الجزاء:

      • (ج) من حيث الجزاء:

        أشد أوجه الخلاف بين قواعد الدين وقواعد القانون تتمثل أيضاً في الجزاء الذي يوقع على من يخالف أحكامها.

        فالجزاء في القواعد الدينية، وكما سبق وأن بينا، هو جزاء دنيوي، يوقع في الدنيا، وجزاء أخروي، يوقع في الآخرة. فالجزاء الدنيوي، قد يوقع في الدنيا على من يخالف أحكام الدين، كعقوبة القاتل، والسارق... إلخ، وقد يوقع، أيضاً، في الدنيا، جزاء، كعقوبة تارك الصلاة، أو المفطر في رمضان... إلخ.

        أما الجزاء الأخروي، فهو مؤجل إلى ما بعد الموت، يتمثل في عذاب الآخرة، ونار جهنم.

        وهذا لا ينفي أن هناك من الأمور ما لا يترتب عليه سوى الجزاء الأخروي، كالكذب، والحسد، والرياء... إلخ، فهذه أمور لا يترتب عليها جزاء دنيوي، وإنما جزاء أخروي.

        غير أنه في بعض الأحيان، تتفق القواعد الدينية مع القواعد القانونية في توقيع الجزاء الدنيوي، كما في حالة القتل، والسرقة، والنصب... إلخ، فهذه أفعال يعاقب عليها القانون، ويعاقب عليها الدين.

        ومع ذلك، فإن هناك اختلافاً بين الجزاءين، فالجزاء في القانون هو جزاء دنيوي، يوقع في الدنيا، أما الجزاء في الدين، فهو جزاء دنيوي وجزاء أخروي.

      (سؤال للمقارنة):
      لخص الفروق الثلاثة الجوهرية (من حيث النطاق، والغاية، والجزاء) بين القانون والدين.

      الجزاء المدني والجزاء الإداري (الإلغاء - البطلان - الفسخ) | مدخل العلوم القانونية

      صور الجزاء المدني (الإلغاء، البطلان، الفسخ) والجزاء الإداري

      في هذا الدرس، نستكمل ما بدأناه في الدرس السابق حول صور الجزاءات. بعد أن درسنا الجزاء الجنائي والتنفيذ العيني والتعويض (الجزاء المدني المباشر وغير المباشر)، نتعمق الآن في الصور الأخرى للجزاء المدني، وهي "جزاء الإلغاء" بصوره الثلاث (البطلان، الفسخ، عدم النفاذ)، ثم ننتقل إلى نوع رئيسي آخر وهو "الجزاء الإداري".

      III. جزاء الإلغاء:

      تعريف جزاء الإلغاء:

      35. يمكن تعريف جزاء الإلغاء "la restitution" بأنه: "العمل القانوني الذي يلجأ إليه أحد المتعاقدين في عقد من العقود أو كل من له مصلحة في تصرف قانوني طالباً إلغاء هذا العقد أو ذلك التصرف، إما لأنه - أي العقد أو التصرف - لم يتوافر فيه الأركان أو الشروط القانونية عند نشأته، أو لأنه قد نشأ صحيحاً مستوفياً أركانه وشروطه ولكن أحد المتعاقدين رفض تنفيذ التزاماته المترتبة عليه".

      وكما هو واضح من هذا التعريف فإن هذا النوع من أنواع الجزاءات المدنية يقتصر توقيعه فقط على العقود دون الأعمال المدنية.

      صور جزاء الإلغاء:

      36. ويمكننا التمييز في هذا النوع من أنواع الجزاءات المدنية بين ثلاث صور تختلف من حيث جسامتها بحسب طبيعة العيب أو الخلل الذي شاب التصرف القانوني أو العقد ووقت تحققه، وذلك على التفصيل الآتي:

      البطلان:

      • البطلان (la nullité):

        هو "الجزاء المترتب على وجود عيب في التصرف القانوني أو العقد عند إبرامه أو إنشائه"، ويتنوع البطلان بدوره بحسب مدى جسامة العيب الذي شاب التصرف أو العقد إلى نوعين: بطلان مطلق، وبطلان نسبي.


        فالبطلان المطلق (la nullité absolue):

        هو الجزاء المترتب على انعدام أو اختلال أحد أركان التصرف أو العقد وهي الرضا والمحل والسبب أو الشكل الذي تطلبه المشرع في بعض الأحيان، فالقانون يستلزم أولاً أن ينعقد رضاء طرفي التصرف أو العقد، كما يتطلب أيضاً أن يكون للتصرف القانوني أو العقد محل مشروع، أي غير مخالف للنظام العام أو الآداب، فإذا لم يتفق الطرفان مثلاً على بنود العقد ولم تتلاقى إرادتهما على هذا النحو، أو ورد التصرف أو العقد على محل غير مشروع كالمواد المخدرة أو إيجار بيتاً من بيوت الدعارة أو ما شابه ذلك، كان التصرف أو العقد باطلاً بطلاناً مطلقاً.

        كما قد يتطلب القانون في بعض التصرفات أو العقود شكلاً معيناً، كبطلبه أن يتم تحرير عقد الرهن الرسمي وعقد الهبة للعقارات بصورة رسمية أمام الموثق بالشهر العقاري، فإذا ما تم الرهن أو الهبة دون مراعاة هذا الشكل الذي تطلبه القانون، وقع العقد باطلاً.

        ويترتب على بطلان التصرف أو العقد بطلاناً مطلقاً في الأحوال السابقة وما ماثلها، أن يصير التصرف أو العقد هو والعدم سواء بسواء، فلا ينتج عنه أي أثر قانوني، ويعود المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد، ويسترد كل منهما ما يكون قد أداه للطرف الآخر، وهو ما يسمى بالأثر الرجعي للبطلان.

        كما يستطيع التمسك بالبطلان كل ذي مصلحة في التمسك به، وتستطيع المحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها، وفضلاً عن هذا فإن هذا النوع من البطلان لا يمكن أن يرد عليه الإجازة أو التقادم.


        النوع الثاني من البطلان، وهو البطلان النسبي (la nullité relative):

        أو ما يطلق عليه أحياناً قابلية للإبطال، فهو جزاء أخف قليلاً من البطلان المطلق، إذ أنه لا يترتب نتيجة انعدام ركن من أركان التصرف أو العقد، وإنما يترتب نتيجة تخلف أحد شروط صحته. وشروط صحة التصرف أو العقد هي خلو إرادة كل من المتعاقدين من العيوب التي تتمثل في الغلط والتدليس والإكراه والاستغلال، وكمال أهلية المتعاقدين، فإذا شاب إرادة أحد المتعاقدين أو كليهما عيب من هذه العيوب أو كان أحدهما أو كلاهما ناقص الأهلية، كان التصرف أو العقد قابلاً للإبطال، أي باطلاً بطلاناً نسبياً.

        والبطلان النسبي على خلاف البطلان المطلق لا ينتج عنه انعدام التصرف أو العقد كلية، وإنما ينتج هذا التصرف أو ذلك العقد آثاره القانونية منذ نشأته وحتى التمسك بالبطلان ممن له الحق في التمسك به، وهذا البطلان أيضاً على خلاف البطلان المطلق لا يجوز لكل من له مصلحة في التمسك به، وإنما يحق فقط لمن عيبت إرادته أو ناقص الأهلية أو نائبه القانوني أن يتمسك به وحده، أما غير ذلك من الأشخاص فلا يجوز له التمسك بالبطلان.

        كما لا يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها، فضلاً عن أن هذا النوع من البطلان يمكن أن يرد عليه الإجازة الصريحة أو الضمنية من جانب من له الحق في التمسك به، كما يرد عليه التقادم.

      (سؤال للمقارنة):
      ما هو الفرق الجوهري بين "البطلان المطلق" و "البطلان النسبي" من حيث: (1) السبب (2) من يحق له التمسك به (3) هل تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها؟

      الفسخ (la résolution):

      • الفسخ (la résolution):

        الفسخ هو جزاء يترتب عدم تنفيذ أحد المتعاقدين لالتزامه الناشئ عن عقد من العقود "الملزمة للجانبين"، كعقد البيع والإيجار.

        فهنا الجزاء، سواء البطلان بنوعيه، يترتب لأنه اختل شرط عند نشأة التصرف القانوني. فالعقد هنا، وكما سبق وأن بينا، قد نشأ صحيحاً مستوفياً لجميع أركانه وشروطه، وتترتب عليه جميع آثاره القانونية، ففي عقد البيع مثلاً، يلتزم البائع بتسليم المبيع ويلتزم المشتري بدفع الثمن، ولكن قد يتخلف أحد المتعاقدين عن تنفيذ التزامه، كأن يمتنع البائع عن تسليم المبيع للمشتري، أو أن يمتنع المشتري عن دفع الثمن للبائع.

        ففي مثل هذه الأحوال وما ماثلها، أجاز القانون للطرف الآخر، بدلاً من أن يظل متمسكاً بالعقد ويطالب بالتنفيذ العيني أو التنفيذ بمقابل (التعويض)، أن يطالب بفسخ العقد، فإذا ما حكم القاضي بالفسخ، انحل العقد، وزالت كل الآثار المترتبة عليه، وعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد، فيسترد المشتري ما قد دفعه من الثمن، ويسترد البائع المبيع إذا كان قد سلمه للمشتري.

        ولربما على الحكم بالفسخ أن يعود المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد، فالفسخ كجزاء يولد ذات الأثر الرجعي المترتب على البطلان، فيسترد كل متعاقد ما كان دفعه للطرف الآخر أثناء سريان العقد.

      (اختر الإجابة الصحيحة):
      يحدث "البطلان" بسبب عيب عند نشأة العقد، أما "الفسخ" فيحدث بسبب:
      (أ) عيب عند نشأة العقد أيضاً.
      (ب) عدم تنفيذ أحد الطرفين لالتزامه بعد نشأة العقد صحيحاً.
      (ج) تدخل طرف ثالث في العقد.

      عدم النفاذ في مواجهة الغير:

      • عدم النفاذ في مواجهة الغير:

        نفترض هذه الصورة من صور الجزاءات المدنية أن التصرف القانوني أو العقد قد نشأ صحيحاً بين طرفيه مستكملاً كافة شروطه وأركانه، ولكن ذلك هذا التصرف أو ذلك العقد صحيحاً بين طرفيه، منتجاً جميع آثاره القانونية، غير أنه لا يكون نافذاً (l'inopposabilité) في مواجهة الغير.

        أي بين شخص آخر غير المتعاقدين. نتيجة تخلف شرط قانوني يتطلبه القانون، فقد يشترط القانون نفاذ العقد في مواجهة الغير تسجيله، أو قيده، أو اتخاذ إجراءات معينة لنشر التصرف أو العقد.

        وتتعلق الحكمة التي يستطيع المتعاقدين الآخرين، وهما لم يعلم به، فإذا لم يتم اتخاذ هذا الإجراء، ظل التصرف أو العقد صحيحاً بين المتعاقدين، ولا يمكن الاحتجاج به في مواجهة الغير، ولا يسري عليه.

        والمثال على ذلك، كثرة في القانون في تخصيص، نذكر منها على سبيل المثال أن القانون يشترط لإمكان الاحتجاج برهن الرهن الرسمي على العقار في مواجهة الغير أن يتم قيده في السجلات (الشهر العقاري).

        ولكن حتى يمكن من يتعامل على العقار المرهون من معرفة هذا الرهن، فيدخل على بصيرة من أمره أو يتعامل عليه وهو على علم به، فإذا لم يتم قيد الرهن الرسمي في سجلات الشهر العقاري، فإن التصرف ذاته، وهو الرهن، يظل صحيحاً بين طرفيه الدائن المرتهن والراهن، ويرتب عليه كل آثاره فيما بينهما فحسب، أما في مواجهة الغير، وهو كل شخص غير المتعاقدين، فإن الرهن لا يمكن أن يسري في حقه أو يُحتج به عليه.

        ومن هذا يتضح لنا الفارق بين عدم النفاذ والبطلان، فالبطلان جزاء يؤدي إلى انعدام التصرف أو العقد وزوال كل آثاره واعتباره كأن لم يكن، فلا يمكن الاحتجاج به، بعد القضاء ببطلانه، لا فيما بين طرفيه (المتعاقدين) ولا في مواجهة غيرهم، أما عدم النفاذ فيقتصر أثره على عدم إمكان الاحتجاج بالتصرف أو بالعقد على الغير، على الرغم من صحته وإنتاجه لجميع آثاره فيما بين طرفيه.

      (سؤال توضيحي):
      ما معنى "عدم النفاذ في مواجهة الغير"؟ وما هو المثال الذي ذكره النص (بخصوص الرهن الرسمي)؟

      (ج) الجزاء الإداري:

      1. تعريف الجزاء الإداري:

      37. يمكن تعريف الجزاء الإداري "la sanction administrative" على أنه: "الجزاء الذي يترتب على مخالفة قواعد القانون الإداري، وهي تلك القواعد القانونية التي تكفل حسن سير العمل بالجهاز الإداري بالدولة وتنظم المرافق العامة".

      2. صور الجزاءات الإدارية:

      38. إن من أبرز صور الجزاءات الإدارية هو ذلك الجزاء الذي يوقع على موظفي الدولة والعاملين بها نتيجة إهمالهم في أداء وظائفهم أو واجباتهم، وتتنوع الجزاءات الإدارية بحسب مدى جسامة المخالفة، فقد تتمثل في صورة اللوم أو الإنذار، وقد تتخذ شكل الحرمان من الترقية أو العلاوة أو جزء من المرتب، وقد يصل الجزاء إلى حد الفصل من الخدمة نهائياً.

      ومن صور الجزاءات الإدارية أيضاً جزاء الإلغاء، وهو الجزاء الذي يوجه إلى قرار إداري مخالف لنصوص القانون فيعدمه.

      فمن المقرر، وفقاً لأحكام القانون الإداري، أن من حق المضرور من قرار أصدرته أية جهة إدارية في الدولة أن يرفع دعوى أمام القضاء الإداري طالباً الحكم له بإلغاء القرار الإداري المخالف لنصوص القانون، فإذا حكم له، فما أراد انعدم القرار الإداري وانعدمت معه جميع آثاره القانونية في الماضي والمستقبل.

      فعلى سبيل المثال، لو أن إحدى الكليات بالجامعة قررت إنهاء درجات الرأفة في عملية تصحيح كراسات الإجابة في امتحان معين، وكان قانون تنظيم الجامعات يعطي الحق للطلاب في هذه الدرجات، فإن من حق أي طالب منهم أن يرفع دعواه إلى القضاء الإداري طالباً إياه الحكم له بإلغاء هذا القرار حتى ولو بعد تصحيح كراسة إجابته، فإذا قضي له بإلغاء هذا القرار فإنه يصير منعدماً، ويعطى الطالب وغيره من الطلاب في فرقته درجات الرأفة وفقاً للقانون.

      ومن الجدير بالذكر في النهاية أن نشير إلى أنه يمكن أن يجتمع أكثر من جزاء عن مخالفة واحدة ارتكبها شخص واحد. ومثال ذلك: إذا دهس شخص بسيارته أحد المارة مخالفاً قواعد المرور، فإنه يلتزم بتعويض المضرور (جزاء مدني)، وتوقع عليه عقوبة الحبس أو الغرامة (جزاء جنائي).

      وكذلك في الحالة التي يرتكب الموظف العام فيها جريمة اختلاس لأموال الدولة، فإنه توقع عليه جزاء الحبس (جنائي)، ويُفصل من عمله (إداري).

      (سؤال استنتاجي):
      "يمكن أن يجتمع أكثر من جزاء عن مخالفة واحدة". اذكر المثال الذي ورد في النص ووضح أنواع الجزاءات فيه.

      القاعدة القانونية وخصائص الإلزام والجزاء | مدخل العلوم القانونية

      القاعدة القانونية: خاصية الإلزام والجزاء

      في هذا الدرس، نستكمل دراسة خصائص القاعدة القانونية، ونتعمق في الخاصية الأهم والأكثر تمييزاً لها: وهي كونها "قاعدة ملزمة ومقترنة بجزاء".

      سندرس بالتفصيل معنى "الجزاء" (Sanction)، ووظائفه، والجدل الفقهي حول ما إذا كان "ركن" أم "نتيجة"، ثم نختتم بالتعرف على خصائصه وصوره المختلفة (الجنائي، المدني، الإداري).

      المطلب الثالث: القاعدة القانونية قاعدة ملزمة ومقترنة بجزاء (1)

      (La règle de droit est une règle obligatoire)

      (Le caractère alastique de la contra)

      22. أولاً: معنى الجزاء ووظائفه

      22. يُعرف الجزاء (أو sanction) بأنه "رد الفعل الذي تواجه به الجماعة من يخرج على قواعد القانون"، أو هو "الأثر المترتب على مخالفة القاعدة القانونية".

      ويُعد الجزاء من أهم الخصائص التي تميز القاعدة القانونية عن غيرها من القواعد الاجتماعية الأخرى، مثل قواعد الدين والأخلاق والمجاملات، وهو يؤدي وظيفتين لضمان إعمال الإلزام في القاعدة القانونية.

      الوظيفة الأولى للقاعدة القانونية (1) وقائية، قبل الإقدام على المخالفة؛ فالجزاء يمنع الأفراد من المخالفة أصلاً، فمن يهم بجريمة سرقة أو ضرب أو قتل، يعرض عن إجرامه إذا ما تذكر الجزاء الذي سيحل به.

      والوظيفة الثانية للجزاء (2) رادعة، بعد الإقدام على المخالفة؛ فمن يخالف القاعدة القانونية، يوقع عليه الجزاء، فيكون ذلك رادعاً له ولكل من تسول له نفسه الإقدام على ذات المخالفة.

      أما الوظيفة التي تقوم بها هذه الواجهة الواقعية التي تطبق أي إزاحة إرادتها، أو إرغام، أو عقاب، مرتكب المخالفة. والتحقيق هذه الوظيفة الواقعية هي التي شكلت الوسيلة الوحيدة التي تتمكن أي إزاحة بها، علم الشخص أخل بضرورة تطبيق هذه القاعدة، فإنه سيعاقب بهذا الجزاء، لأنه ارتكب من إبداء استجابة، فإن إخفاقه أي أن ترتكب من استجابة، فإن إخفاقه، أي أن ترتكب أي أن من إبداء استجابة، فإن إخفاقه أن من استجابة، فإن من إبداء استجابة، أي أن ترتكب من استجابة.

      (سؤال للمناقشة):
      ما هي الوظيفة المزدوجة (الوقائية والرادعة) للجزاء؟

      23. ثانياً: الجزاء من الأركان والنتائج (الجدل الفقهي)

      23. اختلف الفقه حول مدى أهمية الجزاء بالنسبة لوجود القاعدة القانونية، وذهب البعض إلى حد عدم تصور وجود قاعدة قانونية بالمعنى الدقيق ما لم تكن مقترنة بجزاء. وانقسم الفقه إلى رأيين:

      • الرأي الأول: الجزاء ركن من أركان القاعدة القانونية:
        يذهب هذا الرأي إلى أن الجزاء لا يعد عنصراً خارجاً عن القاعدة القانونية، بل هو ركن من أركانها أو جزء لا يتجزأ منها. وعلى هذا النحو، يرى جانب من هذا الفقه أنه لا يمكن أن نتصور وجود قاعدة قانونية لا يترتب على مخالفتها جزاء.
      • الرأي الثاني (الرأي المضاد): الجزاء عنصر ضروري ولكنه ليس ركناً:
        (ص 26) يذهب هذا الرأي من الفقه إلى ضرورة التفرقة بين وجود القاعدة القانونية وبين ركن الجزاء. هذه القاعدة، يجب أن يكون لها مضمون، أي أن تتضمن أمراً أو نهياً. أما الجزاء فلا يتصور له أن يكون جزءاً من ركن القاعدة، لأن الجزاء ليس ركناً من شروط وجودها، وإنما هو أثر من آثارها أو بعبارة أخرى، هو ضمان لتطبيقها.
      • الرد على الرأي المضاد:
        (ص 26 - 28) ويرد أصحاب الرأي الأول على القائلين بأن قواعد القانون الدولي العام أو الدستوري هي قواعد قانونية رغم عدم وجود الجزاء، بالقول:
        أولاً، أن هذه القواعد (الدولية والدستورية) هي قواعد قانونية ناقصة أو في طور التكوين.
        ثانياً، أن الجزاء موجود بالفعل في القانون الدولي (كالمقاطعة الاقتصادية أو الحرب) وفي القانون الدستوري (مثل الرقابة السياسية أو رقابة القضاء على دستورية القوانين).
      • خلاصة النقاش:
        (ص 26) ومن كل هذا الجدل، نخلص إلى القول بأن الجزاء، وإن كان عنصراً لاحقاً على وجود القاعدة القانونية، إلا أنه يعد عنصراً ضرورياً ولازماً، لأن القاعدة القانونية التي لا يترتب على مخالفتها جزاء، تفقد أهميتها وتصبح مجرد نصيحة أو إرشاد.

      (سؤال للمقارنة):
      لخص الجدل الفقهي حول ما إذا كان "الجزاء" ركناً أم مجرد نتيجة للقاعدة القانونية.

      ثالثاً: شروط الجزاء لوجود القاعدة القانونية

      (ص 26) من المتصور أن يتضمن الجزاء في القاعدة القانونية، ولكي توجد القاعدة القانونية، شروطاً ثلاثة:

      • الشرط الأول: أن يتضمن أمراً أو نهياً.
      • الشرط الثاني: أن يكون هذا الأمر أو النهي مصحوباً بجزاء.
      • الشرط الثالث: أن يكون هذا الجزاء مادياً وملموساً.

      24. ثالثاً (مكرر): الجزاء في معناه الفني الدقيق

      (ص 28) 24. لكن ليس معنى هذا القول أن القانون في المجتمعات الحديثة لا يستطيع أن يتضمن لنفسه في جميع الأحوال، جزاء فعالاً. فقد أجازت القوانين الوضعية للفرد أن يقتضي لنفسه في بعض الحالات الاستثنائية التي يأتي في مقدمتها حق الدفاع الشرعي.

      25. رابعاً: خصائص الجزاء

      (ص 30) 25. يتميز الجزاء في القاعدة القانونية بخصائص تميزه عن غيره من الجزاءات التي تصاحب القواعد الاجتماعية الأخرى التي تحكم سلوك الأفراد في المجتمع، ويمكننا إجمال الخصائص التي يتميز بها الجزاء في القاعدة القانونية فيما يلي:

      • (أ) الجزاء في القاعدة القانونية ذو طابع مادي ملموس:
        لأنه لا يكتفي، بسبل الضعف، لحكم تلك القاعدة القانونية التي تقع عليهم، وإنما هو جزاء، في صورة ألم يقع على الفرد المخالف في جسمه أو في ماله. أما الجزاء في القواعد الاجتماعية الأخرى مثل قواعد الأخلاق والمجاملات، فهو يتمثل في تأنيب الضمير أو استهجان المجتمع.
      • (ب) يتميز الجزاء في القاعدة القانونية بأنه حال غير مؤجل:
        فهو يوقع على مرتكب الفعل المخالف للقاعدة القانونية في الحياة الدنيا فور ارتكاب المخالفة، أما الجزاء المترتب على مخالفة قواعد الدين مثلاً، فهو جزاء مؤجل، أي في الحياة الأخرى - يوم القيامة.
      • (ج) الجزاء في القاعدة القانونية تقوم بتطبيقه السلطة العامة في الدولة:
        وهذا لا يعني، ووفقاً للأصول المرعية، بأن للفرد حق اللجوء إلى القوة أو الانتقام لنفسه. بل يتوقع الجزاء باسمه، متى بإمكانه ذلك، جبراً للضرر الواقع عليه. فالغالب، أن الفرد يعمد إلى مطالبة السلطة العامة في الدولة بتوقيع الجزاء على المخالف، معجلاً، مطبقاً، ناجزاً، في الأحوال الاستثنائية التي يأتي في مقدمتها حالة الدفاع الشرعي عن النفس أو المال.

      (سؤال توضيحي):
      ما هي الخصائص الثلاث التي تميز الجزاء القانوني عن غيره (مثل الجزاء الديني أو الأخلاقي)؟

      26. خامساً: صور الجزاء (1)

      (ص 30) 26. يتخذ الجزاء المترتب على مخالفة القاعدة القانونية عدة صور بحسب نوع القاعدة القانونية التي تمت مخالفتها. فسوف نرى فيما بعد أن القانون له أقسام وفروع عدة، وتتنوع الجزاءات بتنوع ووظائف كل فرع من فروع القانون إلى فرع آخر. ويُعد أفضل الفقهاء صور الجزاء جميعاً في ثلاث صور فحسب، نتناولها بشيء من التفصيل فيما يلي:

      (1) الجزاء الجنائي: (27 - 28)

      27. (1) تعريف الجزاء الجنائي:
      يكمن تعريف الجزاء الجنائي "la peine la sanction pénala" من الدولة على من يرتكب فعلاً من الأفعال المجرمة وفقاً لنصوص القانون الجنائي. ويعد الجزاء الجنائي أشد أنواع الجزاءات، قسوة، فهو يهدف في المقام الأول إلى إيلام الجاني أو مرتكب الجريمة على الجرم الذي ارتكبه في حق فرد، أو في حق المجتمع ككل.

      28. (2) أنواع الجزاءات الجنائية:
      تتدرج الجزاءات الجنائية من حيث جسامتها، فتقسم الجرائم إلى ثلاثة أنواع من حيث خطورتها:

      • أولاً: من حيث جسامتها (تقسيم الجرائم):
        تنقسم إلى: الجنايات (كالقتل العمد والسرقة)، ثم الجنح (كالسرقة البسيطة)، ثم المخالفات (كمخالفات المرور).
      • ثانياً: من حيث طبيعتها (أنواع العقوبات):
        تنقسم إلى: العقوبات البدنية (كالإعدام)، العقوبات المقيدة للحرية (كالسجن والحبس)، العقوبات المالية (كالغرامة والمصادرة)، العقوبات السالبة للحقوق (كالحرمان من تولي الوظائف العامة).

      (اختر الإجابة الصحيحة):
      يعتبر الجزاء الجنائي أشد أنواع الجزاءات، ويهدف إلى:
      (أ) إعادة المال لصاحبه.
      (ب) إيلام الجاني وردع المجتمع.
      (ج) إلغاء القرار الإداري المخالف.

      (2) الجزاء المدني (تعريفه والفارق): (29 - 31)

      (ص 32) 29. (3) الجزاء المدني:
      يختلف الجزاء المدني، فكل شكل، في واحد، فهو لا يقصد به مجرد إزالة الأثر المخالفة التي تقع، بل إنه يكون القانون محدد، ولهذا يرمي أيضاً إلى إيلام الجاني أو مرتكب الجريمة بحيث لا يعود لمثله هذا من أخرى. ويحفر في الوقت نفسه، غيره من الأفراد على ارتكابه.

      30. (أ) تعريف الجزاء المدني:
      يقصد بالجزاء المدني "la sanction civil" ذلك الجزاء الذي يترتب مال الاعتداء على أحد الحقوق الخاصة التي تنظمها قواعد القانون المدني.

      31. (ب) الفارق بين الجزاء المدني والجزاء الجنائي:
      يختلف الجزاء المدني بهذا الشكل عن الجزاء الجنائي من حيث الأساس الذي يقوم عليه كل منهما، فالجزاء الجنائي - كما يبدو من تعريفه - يهدف إلى حماية حق خاص عن طريق جبر الأثر بالاعتدء أو المعاقبة.

      أما الجزاء المدني فهو يرمي كما رأينا إلى معاقبة من يخرج على نظام المجتمع جبراً له، أو إجباراً له على السير، وبالتالي، فإن ذلك يتضح، فليس بين الجزاءين تناقض.

      أولهما، أنه القاعدة الجنائية تفترض بجوز للمضرور من الجاني في القانون أن يتنازل عن حقه في مواجهة الجاني، بينما لا يجوز للمضرور من الجريمة في القانون الجنائي ذلك. وثانياً، عامة أن جريمة عن مخالفة في مواجهة المجني عليه، من القانون، من العقوبة، أن تتنازل عن جريمة إجرائياً، إما بعد خطأ، مقاساً بالمجني عليه، فذلك لأن آثار الجريمة المارة تصيب المجتمع في جميع أحواله. أما بالنسبة ثانياً، فإن الذي يختص برفع الدعوى الجنائية في حال ارتكاب مخالفة تستوجب توقيع جزاء مدني، هو الشخص المضرور من المخالفة فقط.

      (سؤال للمقارنة):
      ما هو الهدف الأساسي للجزاء "الجنائي"؟ وما هو الهدف الأساسي للجزاء "المدني"؟

      صور الجزاء المدني: (I) التنفيذ العيني (32-33)

      (ص 32) 32. (I) الجزاء المباشر أو التنفيذ العيني للالتزام:
      معناه إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل وقوع المخالفة. فمن يشرع في بناء حائط، دون أن يحصل على ترخيص، يكون الجزاء هو "هدم الحائط". ومن يمتنع عن تسليم المبيع، يكون الجزاء هو "انتزاع المبيع منه جبراً" وتسليمه للمشتري.

      33. (I) الجزاء المباشر (التنفيذ العيني للالتزام) (تابع):
      يقصد بالتنفيذ العيني للالتزام "la sanction d'execution" الاستجابة عين ما التزم به. إذا ما امتنع عن تنفيذه طواعية. فإذا كان الإجبار ممكناً وليس فيه "إرهاق للمدين"، وتحترمه.

      (ص 33) غالباً ما يلجأ إلى هذا النوع من الجزاءات عند استحالة اللجوء إلى الجزاء الأصلي - وهو التنفيذ العيني للالتزام - فيصبح هذا الجزاء بمثابة الجزاء الأصلي المباشر، فلو أن شخصاً دهس آخر بسيارته مثلاً، فليس أمام القاضي في هذه الحالة من بد سوى أن يحكم على المعتدي بالتعويض لجبر أو إزالة الأضرار المادية التي لحقت بالمضرور والأضرار الأدبية التي لحقت بأهله.

      فالتنفيذ العيني للالتزام بقواعد المرور هنا أصبح مستحيلاً، فليس في مقدور المعتدي أن يرجع بالزمن إلى الوراء ويحترم قواعد المرور حتى لا يتعرض للحادث. وكذلك لو أن محامياً مثلاً قام بإفشاء أسرار موكله، وقد كان ملتزماً أمامه بالتزام قانوني يوجب عليه حفظ هذه الأسرار وعدم إفشائها، فإنه يستحيل في هذه الحالة إزالة المخالفة أو إزالة آثارها بطريق التنفيذ العيني للالتزام، فيصبح اللجوء إلى التنفيذ بمقابل هنا أيضاً كجزاء أصلي مباشر.

      (سؤال توضيحي):
      ما معنى "التنفيذ العيني" كصورة للجزاء المدني؟ ومتى يصبح هذا التنفيذ "مستحيلاً"؟

      صور الجزاء المدني: (II) الجزاء غير المباشر (التعويض) (34)

      (ص 32) 34. (II) الجزاء غير المباشر (التعويض) (indemnisation أو l'execution):
      يقع في "مبلغ من المال يدفعه المعتدي أو المخالف لقاعدة قانونية مدنية" لتعويض المضرور، وذلك عن كل ما لحق هذا الأخير من ضرر.

      ويكون الجزاء المدني غير مباشر، غير أنه، في بعض الأحيان، يتعذر إجبار المدين على تنفيذ التزامه عيناً، كما أن يكون تنفيذ الالتزام عيناً مرهقاً، كما في حالة الجزاء الأصلي، ويمكننا توضيح هذه الحالات الثلاث، التي يطلق عليها البعض تعويض.

      (ص 33) وهناك حالات أخرى يبدو فيها التنفيذ بمقابل كجزاء غير مباشر، وذلك عندما يصبح التنفيذ العيني للالتزام غير ممكن إلا بتدخل المدين شخصياً، ويكون في هذا التنفيذ مساس بشخصه وحريته، فلو أن مطرباً مثلاً قد تعهد بإحياء حفل ساهر أو أن فناناً قد تعهد برسم لوحة فنية، ثم نكل كل منهما عن الوفاء بما التزم به، فإنه لا يمكن جبراً هما على تنفيذ التزامهما لما في ذلك مساس بحريتهما الشخصية.

      ولذا يكتفي في مثل هذه الحالات بالحكم بالتعويض للدائن، فيكون التعويض هنا بمثابة الجزاء غير المباشر، لأنه حل محل الجزاء الأصلي وهو التنفيذ العيني للالتزام الذي أصبح متعذراً.

      (ص 33) وهناك بعض الحالات التي يبدو فيها التنفيذ بمقابل أو بطريق، التعويض، كجزاء تكميلي، يقف جنباً إلى جنب بجوار الجزاء الأصلي، فإذا امتنع أحد المتعاقدين مثلاً عن تنفيذ التزامه المترتب على العقد، فإن للمتعاقد الآخر أن يطلب فسخ العقد - وهو الجزاء المباشر كما سنرى حالاً - للتحلل من التزاماته الناشئة عن العقد.

      ويسترد ما قد سبق وأداه، كما يكون من حقه أيضاً أن يطالب بالتعويض عن الضرر الذي أصابه من جراء عدم تنفيذ الطرف الآخر لالتزاماته، وهذا هو الجزاء التكميلي.

      (اختر الإجابة الصحيحة):
      إذا تعهد "مطرب" بإحياء حفل ثم رفض، فإن الجزاء المدني المناسب هو:
      (أ) التنفيذ العيني (إجباره على الغناء بالقوة).
      (ب) الجزاء غير المباشر (التعويض المالي).
      (ج) الجزاء الجنائي (الحبس).

      صور أخرى للجزاء (الإجرائي والإداري)

      (ص 32) هناك صور أخرى للجزاء، منها:

      • (3) الجزاءات الإجرائية أو الشكلية:
        هي التي تترتب على مخالفة القواعد الشكلية (الإجرائية)، مثل البطلان، أو عدم القبول، أو سقوط الحق في رفع الدعوى (التقادم).
      • (4) الجزاءات الإدارية:
        وهي الجزاءات التي توقعها السلطة الإدارية على الموظفين التابعين لها عند ارتكاب مخالفة، مثل (الإنذار، الخصم من المرتب، الوقف عن العمل، أو الفصل).

      خصائص القاعدة القانونية | مدخل العلوم القانونية

      خصائص القاعدة القانونية (عامة، مجردة، اجتماعية، ملزمة)

      في هذا الدرس الثاني من "كورس القانون"، نبدأ التعمق في جوهر القانون نفسه، وهو "القاعدة القانونية". لا يمكن أن نفهم أي فرع من فروع القانون (مدني، جنائي، إداري) دون أن نفهم أولاً ما هي الخصائص التي تجعل "القاعدة" قاعدة "قانونية" وتميزها عن غيرها من القواعد (مثل قواعد الأخلاق أو الدين).

      سنتناول في هذا الدرس ثلاث خصائص أساسية: 1. كونها قاعدة عامة ومجردة. 2. كونها قاعدة اجتماعية تنظم سلوك الأفراد. 3. كونها قاعدة ملزمة (وهو ما يربطها بالجزاء). سندرس كل خاصية بالتفصيل الدقيق كما وردت في المراجع الأكاديمية.

      المطلب الأول: القاعدة القانونية قاعدة عامة أو مجردة (1)

      (La règle de droit est une règle générale ou abstraite) (Le caractère général et impersonnel de la règle de droit)

      تتميز القاعدة القانونية بخاصية أساسية هي "العمومية" أو "التجريد"، وهي أول خاصية تميزها عن غيرها من القواعد.

      أولاً: معنى العمومية أو التجريد (12)

      12. يقصد بعمومية القاعدة القانونية أو تجريدها: "أن القاعدة لا توجه إلى شخص معين أو إلى واقعة معينة بالذات، وإنما تحدد شروط عامة لكي تُطبق على الأشخاص والوقائع، فإذا ما توفرت هذه الشروط في شخص معين أو واقعة محددة انطبقت القاعدة القانونية على هذا الشخص أو تلك الواقعة".

      ولتوضيح ذلك نقول أن القاعدة القانونية إذا ما نشأت لتخص شخص معين باسمه وتُطبق عليه وحده دون غيره من الأشخاص، أو إذا صدرت حتى تحكم واقعة معينة أو تحل مشكلة محددة، فإنها لا تكون قاعدة عامة أو مجردة بالمعنى الدقيق، وإنما يلزم حتى تكتسب القاعدة القانونية هذه الصفة أن تصدر مصحوبة بشروط أو أوصاف عامة.

      فإذا ما توفرت هذه الشروط وتلك الأوصاف في شخص معين أو واقعة محددة انطبقت هذه القاعدة على هذا الشخص أو تلك الواقعة وعلى غير ذلك من الأشخاص والوقائع التي تتوفر فيهم هذه الشروط حالياً وفي المستقبل.

      ويرجع البعض من الفقه إلى خاصية العمومية أو التجريد التي تتميز بها القاعدة القانونية إلى التعريف اللغوي والاصطلاحي للقاعدة؛ فالقاعدة يُقصد بها لغة الأمر الذي ينطبق على جميع جزئياته، وتعني اصطلاحاً الاستمرار والتكرار بحيث يطبق حكمها كلما توافرت شروط معينة.

      ومن هذا المعنى اللغوي والاصطلاحي المقصود من القاعدة بصفة عامة جاءت خاصية العمومية أو التجريد التي تتميز بها القاعدة القانونية لدى هذا الجانب من الفقه.

      (سؤال للمناقشة):
      بكلماتك الخاصة، اشرح ما معنى أن القاعدة القانونية "مجردة"؟ ولماذا لا يعتبر القانون الذي يُكتب ليخاطب "فلان الفلاني" قاعدة قانونية؟

      ثانياً: الفارق بين وصفي "العمومية" و "التجريد" (13)

      13. يكاد يكون هناك شبه إجماع بين فقهاء القانون على أن هناك فارق طفيف بين وصف العمومية ووصف التجريد، حيث أن كل قاعدة قانونية تشتمل - وفقاً لرأي غالبية الفقهاء - على شقين: أحدهما هو الفرض وهو الظاهرة أو المشكلة التي حدثت في الواقع والمراد البحث لها عن حكم قانوني، والآخر هو الحكم وهو حكم القانون في الواقعة أو المشكلة السابقة والذي يعد هو الأثر المترتب على تحقق هذا الفرض.

      ويقولون أن التجريد وصف يلحق بالفرض، أما العمومية فهو وصف يلحق بالحكم، ولتوضيح ذلك يضرب الفقه الأمثلة الآتية:

      • القاعدة الأولى (1): القاعدة القانونية التي تقضي بأن "كل من بلغ إحدى وعشرين سنة ميلادية يعتبر أهلاً لمباشرة حقوقه المدنية".
        الفرض (التجريد): هو "بلوغ الشخص إحدى وعشرين سنة".
        الحكم (العمومية): هو "اعتبار هذا الشخص كامل الأهلية".
      • القاعدة الثانية (2): القاعدة القانونية التي تقرر أن "كل خطأ سبب ضرر للغير يلزم مرتكبه بالتعويض".
        الفرض (التجريد): هو "إصابة شخص بضرر معين نتيجة لخطأ شخص آخر".
        الحكم (العمومية): هو "إلزام الشخص المخطئ بتعويض الشخص المضرور".

      ثم يقرر غالبية الفقهاء أن التجريد وصف يخص الفرض، ويتعلق بالقاعدة القانونية عند صياغتها أو نشأتها، أما صفة العمومية فإنها تتعلق بالحكم وتلحق بالقاعدة القانونية عند تطبيقها.

      ونعتقد (رأي المؤلف) أنه إن صحت التفرقة بين الفرض والحكم، فإن هذه التفرقة تعد تفرقة نظرية بحتة ولا ينتج عنها أية فائدة قانونية أو عملية تُذكر.

      فالقاعدتان السابقتان تتسمان بصفة العمومية أو التجريد، لأنهما لا تحددان شخصاً معيناً باسمه أو بذاته، ولا واقعة بعينها، بل تحددان شروطاً عامة. بالتالي فإن كل من هذين الوصفين (العمومية والتجريد) يكمل بعضه بعضاً، ويفيدان معنى واحداً، وهو أن القاعدة القانونية لا تخص شخصاً بذاته أو واقعة بذاتها.

      (سؤال للمقارنة):
      ما الفرق الدقيق الذي وضعه الفقهاء بين "التجريد" و "العمومية"؟ وأي منهما يتعلق بـ "الفرض" وأي منهما يتعلق بـ "الحكم"؟

      14. ما هي علة القاعدة القانونية صفة العمومية أو التجريد؟

      14. إذا ما علمت القاعدة القانونية تتخذ في واقعها بصفتها، فقد تتخذ صفة العمومية أو التجريد، ومن ثم لا يمكن وصفها بأنها قاعدة قانونية بالمعنى الدقيق، وإنما باعتبارها قراراً إدارياً أو حكماً قضائياً.

      وتوضيح ذلك نقول أن القرار الصادر من الإدارة أياً كان نوعه فإنه يخص شخص معين (مثل قرار تعيين موظف) أو بنزع ملكية للمنفعة العامة، أو بإلغاء محل مقلق للراحة، كلها من قبيل القرارات الإدارية، وليست قواعد قانونية.

      ومن جهة أخرى، فإن الحكم الصادر بمعاقبة شخص (مثل حكم سجن) أو بإلزام شخص بتعويض، تعتبر أحكاماً قضائية لا قواعد قانونية، لأن مثل هذه القرارات والأحكام إنما صدرت لتطبق على شخص باسمه ولتحكم واقعة معينة دون غيرها.

      الفرق الجوهري: القرار الإداري والحكم القضائي يستنفد غرضه بمجرد تطبيقه للمرة الأولى، ولا يصلح للتطبيق مرة أخرى. بعكس القاعدة القانونية التي تتسم بالعمومية، ويمكن تطبيقها كلما توافرت شروطها (في الحاضر والمستقبل).

      (سؤال للمقارنة):
      ما هو الفرق الجوهري بين "القاعدة القانونية" و "الحكم القضائي" من حيث الاستنفاد والتكرار؟

      15. (أ) تطبيق العمومية من حيث الأشخاص:

      15. لا نعتقد العمومية أو التجريد ضرورة صدورها لتطبق على كافة أفراد المجتمع، فالقواعد التي تنظم فئة معينة من الأفراد كفئة التجار أو الموظفين أو العمال مثلاً إنما هي قواعد قانونية.

      لماذا؟ لأنها لا تخاطب شخصاً معيناً باسمه أو بذاته، وإنما تخاطب هذه الفئات من المجتمع بصفاتهم لا بأشخاصهم.

      بل إن القاعدة القانونية تظل عامة ومجردة حتى لو صدرت منذ البداية لكي تطبق على شخص واحد فقط ولكن بصفته لا بشخصه، كالقواعد التي تحدد اختصاصات رئيس الجمهورية (فهي تطبق على "الرئيس" أياً كان اسمه) أو رئيس مجلس النواب أو تحدد مرتب رئيس الجامعة.

      (اختر الإجابة الصحيحة):
      القانون الذي يحدد "اختصاصات رئيس الجمهورية" لا يعتبر قاعدة قانونية لأنه يخاطب شخصاً واحداً.
      (أ) العبارة صحيحة.
      (ب) العبارة خاطئة.

      (ب) تطبيق العمومية من حيث الزمان:

      والأصل في القاعدة القانونية أنها تتسم بالعمومية أو التجريد لتطبق في الحال والمستقبل على جميع الأشخاص والوقائع التي تتوفر فيها شروطها، أي أنها تطبق منذ يوم صدورها، وتستمر في التطبيق حتى يلغى العمل بها، وبذلك لا تنطبق بأثر رجعي على الماضي.

      كما أن هذه القاعدة لا تفقد عموميتها إذا ما صدرت لتنظيم أمراً معيناً ومحدداً، طالما أنها لا تستنفد غرضها بمجرد تطبيقها مرة واحدة.

      ومثال ذلك، تلك القوانين التي تصدر في ظروف استثنائية كالحرب أو الأزمات (قوانين مؤقتة)، فمثل هذه القوانين تعد قواعد قانونية، لأنها تنطبق بصفة عامة ومجردة على كل من تتوافر فيهم شروطها خلال هذه الفترة.

      وخلاصة القول، أن القاعدة القانونية لا تفقد صفتها إذا ما صدرت لتطبق لفترة زمنية محددة، فالعبرة إذن ليست بدوام تطبيق القاعدة القانونية، وإنما العبرة هي بتوافر صفة العمومية والتجريد فيها عند نشأتها.

      (سؤال توضيحي):
      قانون الطوارئ الذي يُطبق "أثناء الحرب فقط" هو قانون مؤقت. فهل هذا يجعله يفقد صفة "العمومية"؟ ولماذا؟

      (ج) تطبيق العمومية من حيث المكان:

      17. كذلك الأصل أن القاعدة القانونية تتسم بالعمومية والتجريد من حيث المكان، أي أنها تسري على إقليم الدولة التي أصدرتها، وهذا ما يطلق عليه (مبدأ إقليمية القوانين).

      فالقاعدة القانونية تسري على جميع الأشخاص الموجودين على إقليم الدولة، سواء كانوا وطنيين أم أجانب.

      ومع هذا، فإن هذه القاعدة ليست مطلقة، إذ يرد عليها استثناء، هو أنه في بعض الأحيان تمتد القاعدة القانونية لتطبق على أشخاص أو وقائع حدثت خارج إقليم الدولة، وهذا ما يطلق عليه (مبدأ شخصية القوانين).

      ومثال ذلك، القواعد القانونية التي تسري على المواطنين ولو كانوا خارج إقليم الدولة، كالقواعد المتعلقة بالجنسية والأهلية والميراث... إلخ.

      (سؤال للمقارنة):
      ما الفرق بين "مبدأ إقليمية القانون" و "مبدأ شخصية القانون"؟

      المطلب الثاني: القاعدة القانونية قاعدة اجتماعية تنظم سلوك الأفراد في المجتمع (1)

      (La règle de droit est une règle de conduite sociale)

      18. ثانياً: القاعدة اجتماعية

      18. قلنا فيما سبق، هذه الدراسة، أنه لا وجود للقانون إلا في ظل مجتمع، أما خارج المجتمع - على فرض تصور ذلك - فإن القانون يقف سده وجوده، فإذا ما تصورنا وجود إنسان يعيش وحيداً أو جبلاً أو زاهداً يعيش في صحراء قاحلة، فليس هناك قانون، وقد يكون هذا الإنسان متديناً أو ذا خلق قويم، فإن هذا وذاك من أمور الدين والأخلاق.

      أما القانون فلا، لأن القانون كما قلنا لا يوجد إلا حيث يوجد المجتمع، فالإنسان كائن اجتماعي بطبعه. ومن ثم، فالحياة في المجتمع لا يتم تصورها من غير احتكاك بين الأفراد، وهذه الاحتكاكات لا يمكن أن تسير في خط مستقيم من غير نزاع أو خلاف، ومن ثم فـ الحاجة إلى قواعد تنظم شؤون الأفراد، وتحكم علاقاتهم بعضهم ببعض، فكان لزاماً إذن وجود قواعد قانونية تنظم سلوك الأفراد في المجتمع.

      والقانون إذ ينظم سلوك الأفراد في المجتمع، فهو لا ينظم جميع أنواع السلوك، وإنما يقتصر على تنظيم السلوك الخارجي للأفراد، أما النوايا والبواعث وما يكمن في سريرة النفس، فإن القانون لا يهتم بها، طالما أنها لم تظهر في شكل سلوك خارجي مادي وملموس.

      19. هل معنى ذلك أن القانون لا يوجد إلا في مجتمع منظم؟

      19. ولكن هل معنى ذلك أن القانون لا يوجد إلا حيث يوجد مجتمع منظم، أي مجتمع دون النظر إلى تقدم المجتمع أو تخلفه؟ اختلف الفقه في الإجابة على هذا التساؤل إلى رأيين:

      • الرأي الأول (1): يذهب البعض إلى القول بأن القانون لا يوجد إلا في جماعة سياسية منظمة يخضع أفرادها لسلطة عليا هي سلطة الدولة.
      • الرأي الثاني (2): ويرى البعض الآخر أن القانون يوجد بمجرد وجود الجماعة الإنسانية، بغض النظر عن درجة تقدم أو تأخر الجماعة، وأن النظام في أي جماعة لا يمكن أن يكون شرطاً مسبقاً لوجود القانون، بل هو أثر لوجوده. فالقانون هو الوسيلة التي يتحقق بها النظام في المجتمع. وليس العكس. والتاريخ يشهد بأن القانون كان أسبق ظهوراً من الدولة (مثل مجتمعات القبيلة والبدو والرحل).

      ونعتقد (رأي المؤلف) أن الرأي الثاني هو الأجدر بالتأييد، فضلاً على أن التاريخ يشهد بوجود قواعد (دينية وعرفية) وجدت في المجتمعات القديمة قبل قيام الدولة في صورتها الحديثة.

      ومع ذلك، فإننا لا ننكر أن صفة إلزامية القانون من الناحية الشكلية، وظهور فكرة الجزاء في صورتها المادية، لم تظهر إلا بعد قيام الدولة.

      (سؤال للمناقشة):
      هل القانون أسبق في الظهور أم الدولة؟ لخص الرأيين في هذه المسألة.

      20. ثانياً: القانون ينظم السلوك الخارجي للأفراد

      20. إن القانون حين ينظم سلوك الأفراد في المجتمع لا يهتم إلا بالجانب الخارجي للأفراد، فحسب، أي أنه لا يعتد سوى بتصرفاتهم الظاهرة، ومن ثم لا يعبأ بالنوايا أو البواعث أو المشاعر الكامنة داخل النفس البشرية ما لم تظهر إلى العالم الخارجي.

      وذلك لسببين:

      • الأول: أن القانون يهدف إلى تحقيق الأمن والاستقرار في المجتمع، وهذان لا يتأثران إلا بالسلوك الخارجي للأفراد.
      • الثاني: أن النوايا والبواعث أمور كامنة في النفس يصعب على القاضي أو المشرع معرفتها، ومن ثم يستحيل تنظيمها أو وضع جزاء لها.

      ولكن، هذا لا يعني أن القانون لا يعتد بالنوايا إطلاقاً، بل إنه في بعض الأحيان، يعتد بها إذا ما اقترنت بسلوك خارجي.

      مثال: في القانون الجنائي، تختلف الجريمة من عمدية إلى غير عمدية بحسب نية الجاني، ففي القتل العمد تختلف العقوبة عن القتل الخطأ. وكذلك في القانون المدني، تختلف المسؤولية بحسب نية المدين، إذا كان حسن النية أو سيء النية.

      (سؤال استنتاجي):
      الأصل أن القانون لا يهتم بالنوايا. ولكن، متى يستثني القانون هذا الأصل ويبدأ في الاهتمام بـ "نية" الشخص؟ اذكر مثالاً.

      المطلب الثالث: القاعدة القانونية قاعدة اجتماعية ملزمة (21)

      21. ثالثاً: القاعدة القانونية قاعدة اجتماعية ملزمة

      21. درج فقه القانون على تعريف القاعدة القانونية بأنها: "قاعدة عامة مجردة تنظم سلوك الأفراد في المجتمع، وتكون مصحوبة بجزاء توقعه السلطة العامة على من يخالفها".

      وفي جرس الفقه، انقسم بشأن تحديد طبيعة الإلزام في القاعدة القانونية، إلى ثلاث نظرات:

      • النظرة الأولى: وتذهب إلى أن عنصر الإلزام في القاعدة القانونية يتمثل في الجزاء، ومن ثم، فإن القاعدة القانونية التي لا يترتب على مخالفتها جزاء، لا تعد قاعدة قانونية بالمعنى الدقيق.
      • أما النظرة الثانية: فترى أن عنصر الإلزام يتمثل في اقتناع الأفراد وإيمانهم بضرورة هذه القاعدة لتحقيق الأمن والاستقرار في المجتمع.
      • أما النظرة الثالثة: فترى أن عنصر الإلزام يتمثل في فكرة الواجب، أي أن الأفراد يلتزمون بالقاعدة القانونية بدافع الواجب، وليس بدافع الخوف من الجزاء أو الاقتناع بضرورتها.

      أما النظرة الثالثة (والتي يبدو أن المؤلف يميل إليها) فترى أن الإلزام، مرده إلى الشعور الاجتماعي القائم لدى أفراد الجماعة بضرورة تطبيق تلك القاعدة القانونية، وهذا الإلزام لا يطبق فقط على المحكومين، وإنما يخضع له كل المجتمع بكافة هيئاته ومؤسساته، حكاماً ومحكومين.

      وهذا المبدأ هو ما نعرفه اليوم في الفقه الدستوري بمبدأ "خضوع الدولة للقانون".

      إذن لا يقتصر دور القانون على تنظيم سلوك الأفراد في المجتمع فحسب، وإنما يتعداه أيضاً سلوك السلطات الحاكمة في الدولة، بحيث يخضع تصرفاتها جميعاً لأحكام القانون.

      والسلطات العامة في الدولة الحديثة، لاسيما في الدول التي تتخذ من النظام البرلماني شكلاً لها، تتلاقى إلى ثلاث سلطات هي:

      • السلطة التشريعية: وظيفتها وضع القواعد القانونية.
      • السلطة القضائية: تسهر على حسن تطبيق القانون.
      • السلطة التنفيذية: (الحكومة) تضطلع بمهمة تنفيذ القانون.

      ويجب على السلطة التنفيذية (الحكومة) احترام مبدأ "سيادة القانون" و "مشروعية" أعمالها، وإلا كانت قراراتها "أعمالاً غير مشروعة".

      ويجب أن تخضع أيضاً السلطة التشريعية للقانون، وأن تتوافق عملياتها في سن التشريعات والقوانين مع الدستور، وإلا كان عملها هذا باطلاً، ويتعرض للطعن عليه بعدم الدستورية.

      (سؤال للمناقشة):
      اشرح باختصار مبدأ "خضوع الدولة للقانون". وكيف ينطبق هذا المبدأ على السلطتين التشريعية والتفيذية؟

      مقدمة في القانون | المدخل للعلوم القانونية

      المدخل للعلوم القانونية - مقدمة في القانون

      مما لا ريب فيه أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، ففطرته تأبى به أن يعيش منعزلاً عن غيره من بني جنسه، فهو لا يستطيع بمفرده أن يواجه مخاطر الطبيعة أو أن يشبع حاجاته الأساسية من مأكل وملبس ومسكن.

      لذا، كان من المحتم عليه أن يتعاون مع غيره للتغلب على قوى الطبيعة من ناحية، وللتخصص في أداء خدمة أو إنتاج سلعة معينة يستطيع أن يبادلها بغيرها لإشباع حاجاته الضرورية من ناحية أخرى. ومن هنا باتت الحياة الاجتماعية ضرورة للإنسان منذ نشأة الحياة البشرية وحتى يرث الله الأرض ومن عليها.

      ولكن لما كانت النفس البشرية أمارة بالسوء، وتطمع دائماً فيما لا تملكه، كان الإنسان بطبعه أنانياً وينزع دائماً إلى إشباع حاجاته وإسعاف نفسه ولو كان ذلك على حساب الآخرين، وهذه الطباع غير المحمودة في الإنسان هي ما دفعت المجتمعات إلى التفكير في تقرير قواعد تحكم سلوك الأفراد وتنظم العلاقات فيما بينهم.

      بحيث لا تفرط فئة على فئة أخرى، ولا تترك الأمر في التقدير لكل فرد على حدة، يستأثر لنفسه بكل ما هو جميل ومستحسن، ويترك لغيره من أفراد مجتمعه كل ما هو قبيح ومستهجن. ومن ثم وُجدت القواعد القانونية بهدف تنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع، سواء كانت هذه العلاقات مالية أو اقتصادية، أو علاقات عائلية أو أسرية، أو علاقات سياسية إلى غير ذلك.

      أهمية القانون بالنسبة للمجتمع (نظرة عامة)

      كما ذكرنا، وُجدت القواعد القانونية بهدف تنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع، سواء كانت هذه العلاقات مالية أو اقتصادية، أو علاقات عائلية أو أسرية، أو علاقات سياسية إلى غير ذلك.

      (سؤال استنتاجي):
      لماذا يعتبر الإنسان "كائن اجتماعي"؟ وما علاقة ذلك بضرورة وجود "القانون"؟

      العلاقات المالية أو الاقتصادية

      فبالنسبة للعلاقات المالية أو الاقتصادية: فهي تنشأ بين أفراد المجتمع لأنه - وكما سبق وأن أشرنا - فمهما بلغت قوة الفرد أو طاقته فلن يستطيع أن يشبع حاجاته بنفسه، لذا كان لزاماً عليه أن يتخصص في أداء خدمة أو إنتاج سلعة معينة ويبادلها بغيرها من الخدمات أو السلع مع قرنائه من أفراد مجتمعه.

      وقد ترتب على ذلك بالضرورة أن نشأت هذه العلاقات أو الروابط المالية (الاقتصادية)، فالفرد الواحد يبيع ويشتري، ويؤجر ويستأجر، ويقرض ويقترض، إلى غير ذلك من المعاملات المالية التي تجري في حياتنا اليومية.

      وبذلك، ولا شك أن كل هذه المعاملات أياً كانت طبيعتها، إنما تحتاج إلى تنظيم قانوني يبين مدى حقوق والتزامات أطرافها، حتى لا يعتدى بعضهم على حقوق البعض الآخر.

      (سؤال توضيحي):
      لماذا لا يستطيع الإنسان إشباع حاجاته بنفسه؟ وكيف أدى ذلك لظهور ما يسمى بـ "العلاقات المالية"؟

      العلاقات العائلية أو الأسرية

      وبالنسبة للعلاقات العائلية أو الأسرية: فهي تنشأ بين أفراد المجتمع لأن الله في سنة خلقه قد اقتضت أن يلجأ الإنسان إلى الارتباط بزوج ليحافظ على سلالته من الانقراض، ولينعم هو ومن يخلفه بثمرات هذه الروابط والعلاقات.

      وتنشأ عنها بعض الحقوق والواجبات المتبادلة بين أفراد الأسرة الواحدة، كالزوج له على زوجته حق الطاعة، ولها عليه حق النفقة والمعاملة الحسنة، والأب على ولده حق التأديب، وعليه واجب الاتفاق عليهم، ورعايتهم، إلى غير ذلك من الحقوق والواجبات التي تنشأ في نطاق الأسرة. وتحتاج بدورها إلى تنظيم قانوني يبين مدى ما يتمتع به كل فرد من أفراد الأسرة من حقوق تجاه الفرد الآخر، وما يتحمل به من التزامات.

      العلاقات السياسية

      أما بالنسبة للعلاقات السياسية: فهي تنشأ في أي مجتمع لأن كل فرد من أفراد هذا المجتمع لا يستطيع بمفرده منع غيره من الاعتداء على حقوقه أو تطبيق القواعد التنظيمية التي وضعتها الجماعة حماية له. ونظراً لظهور الأمم، ومن ثم ظهرت الحاجة إلى وجود سلطة لها عليا على إرادة الأفراد، وتكون أوفرهم فهماً.

      كل من تسول له نفسه الخروج على أحكامه، وإهدار نظام المجتمع أو الإخلال بسلامته وكيانه، فتقيم المجتمع بذلك بين أفراده. هذه حاكمة تكون لها سلطة الأمر والنهي، وبذلك يهنأ الجميع، ويأمن كل فرد ما يمكنه من الجور والأذى على ظلامة، واستلزام القانون، وتقويمه وعقابه.

      ويستقر في سائر أفراد المجتمع، ويكون عليها الخضوع والطاعة لإبرام القوانين ونواهيها. وإلا تعرضت الجزاء، وكان من البديهي - والحال أن المجتمع قد انقسم على هذا النحو - أن توجد نصوص قانونية تنظم شكل العلاقات بينه، وتبين الأسس التي تقوم عليها نظم الحكم في المجتمع، وعلاقة السلطة الحاكمة بسائر أفراده.

      وهنا تبدو أهمية القانون بالنسبة للفرد والجماعة في آن معاً، فلا مجتمع إذن بدون قانون يحكم سلوك أفراده، وينظم علاقاتهم وروابطهم المختلفة، سواء كانت علاقات مالية وعائلية وسياسية، وغير ذلك.

      فمن غير القانون تسود الفوضى وينهدم الأمن والاستقرار بين أفراد الجماعة، وهذا يكفي كبح جماح النفس البشرية بما تحمله من غرائز وشهوات، والاستئثار، والصدق في الأرض. وكانت العناية بإلزام الأقوى، ومن ثم يهدف القانون هو تحقيق أمن واستقرار المجتمع.

      (سؤال للمناقشة):
      "لا مجتمع بلا قانون، ولا قانون بلا مجتمع". اشرح هذه العبارة في ضوء ما قرأت عن العلاقات السياسية.

      ثانياً: عصر التقاليد الدينية

      لما أرادت الأديان السماوية الالتزام بالمعالم السامية الداعية إلى وجوب احترام الغير والتحلي بالفضيلة والأخلاق الحميدة أسرت أفراد المجتمع بالتعاليم الدينية. لهذه التعاليم والمثل أثر فعال في المعتقدات والتقاليد الإدارية القديمة التي آلت إليها من كثير من الصراعات والحروب التي أودت بحياة الكثير من الأشخاص، وتسببت في عموم الفوضى والعصبية القبائلية، ومن هنا تغلغلت القوانين الدينية، وحلت بذلك محل التقاليد القبلية القديمة.

      ويعتبر ظهور القانون مع ظهور هذه التقاليد تطوراً كبيراً، فالأحكام الإلهية التي جاء بها الرسل والأنبياء وعمل على نشرها رجالات الدين بعدهم، كانت هي أولى القواعد القانونية التي عرفتها البشرية، وساعد على تقبل الأفراد لها واعتبارها قواعد إلزامية ملزمة لهم، أنها كانت تمتاز بالصبغة الدينية.

      وقد يجد الباحث أن هذه القواعد التي جاءت في القوة أو الضعف أثناء الاعتداء في الحقوق أو مباشرتها، بل كانت لتلك القواعد الإلهية الأسبقية هي التي تحدد تلك الحقوق وتحميها عن طريق قضاء عادل، إلى أن ظهرت المجتمعات التي وجدت وجوب تدوين تلك القواعد في صورة مكتوبة، وإضافة قواعد أخرى جديدة تتواءم مع التطورات الحادثة في تلك المجتمعات.

      عصراً: عصر التدوين (التشريع المكتوب)

      عندما أخذت المجتمعات القديمة بكتابة القواعد الإلهية والتقاليد العرفية التي كانت سائدة آنذاك، ظهرت لتلك أول قواعد قانونية مكتوبة في صورة مدونات قانونية، وكانت هذه المدونات هي الشرارة الأولى التي انبعث منها وهج القواعد القانونية التي نمر بها في عالمنا اليوم في صورة تشريعات مكتوبة.

      ويجمع المؤرخون على أن فكرة القانون لم تكن لها في نشأتها تلك قواعد، فهذه القواعد كانت موجودة بالفعل.

      وقد تبلورت فكرتها البدائية، وتصور دورها كأداة على تدوين وتسجيل تلك القواعد في شكل مكتوب فحسب، وإذ سارت المجتمعات على نهج تدوين الأحكام القانونية والإلهية منذ بداية عصر التدوين وحتى الوقت الحالي، فنشأ ما يعرف في عالمنا اليوم بالقواعد القانونية المكتوبة التي أطلق عليها لفظ 'القانون' أو 'التشريع'.

      (سؤال توضيحي):
      ما هو "عصر التدوين"؟ وما أهميته في تطور القانون من مجرد تقاليد دينية إلى "تشريع"؟

      فكرة تطور القانون بتطور المجتمع ذاته:

      رأينا من خلال المراحل التاريخية السابقة كيف أن القانون قد نشأ نشأة بسيطة في صورة قواعد عرفية بدائية وغير مكتوبة، إلى أن ظهرت الكتابة وبدأ عصر التدوين فاتجه العلماء إلى كتابة تلك القواعد لتتماشى مع التطورات التي حدثت في المجتمع، وليس قاصراً التطور بحسب آراء العلماء على تطور القواعد القانونية وتدوينها، بل إن التطور شمل العلوم الإnsانية الأخرى.

      نشأ وتطوراً كذلك القانون، وظهر بعد أن تيقن ما تقدم أن القانون باعتباره مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات والروابط بين أفراد المجتمع يُعد ظاهرة اجتماعية لا يوجد إلا بوجود المجتمع، وقد اقتضت سنة الله في خلقه أن يبعث الأرسال، جامعاً بعد تفرق، واجتماعاً بعد نفور، تصفه بصبغة إنسانية، وكان من أثر هذه السنة أن تطورت المجتمعات دورها بما تشغلها من علوم إنسانية، وقد خضع القانون بدوره لتلك السنة الأزلية باعتباره علماً من العلوم الإnsانية، فهو يتطور بصبغة تابعة لسلوك التطور الحادث في المجتمع.

      ومما لاشك فيه أن التسليم بفكرة تطور القانون بتطور المجتمع، أنكر على من اختلف القانون من مكان إلى آخر، أو من وقت لآخر. أما التسليم بامتلاك القانون في المكان الواحد مر زمان أو آخر، فالقانون مقدس، خالداً، يمكن عن القانون الإلهي.

      فالقانون المطبق حالياً يختلف بصورة عن القانون الذي كان مطبقاً في ذات إبان العهد الأول، فالإنسان في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي وقبل الثورة الفرنسية، كما أن القانون المطبق حالياً في أي بلد من البلدين سوف يأتي عليه حين يصبح فيه غير متوافق مع حاجات المجتمع وظروفه المتغيرة، ومن ثم المستدعى إليه عندئذ التغيير والإصلاح.

      العلاقة بين القانون والواقع:

      رأينا أن القانون ضرورة تفرضها الحياة الاجتماعية للتوفيق بين مصالح الأفراد المتعارضة، وتحقيق الأمن والاستقرار في المجتمع، ووظيفة القانون تحقيق هذا الهدف، أي أن يبين كل ما هو مسموح به للفرد وما يتمتع به من حقوق وحريات، وما هو محرم عليه وما يجب عليه من التزامات أو مسئوليات.

      بحيث يكون الفرد عالماً مقدماً بما يمكن أن يأتيه من أفعال وما لا يمكن أن يفعله، ويطلق على ما هو مسموح به للفرد القيام به اسم 'الحقوق والحريات العامة'، أما ما يجب على الإنسان فعله وما يرد على حرياته من قيود، فيطلق عليها اسم 'الالتزامات'.

      والفرد التي حيز له حرياته، وقيد له حركاته، فذلك الذي ملكه، حق ملكية على هذا الشيء، يخول له سلطة استعماله، واستغلاله، والتصرف فيه، والتي هي في اقتضاء دينه من مدينه، والالتزام الحرفي بالعهود، والعمل والقول إلى غير ذلك من الحقوق والحريات التي يجوز للإنسان ممارستها في المجتمع.

      فكل هذه الحقوق وكل هذه الحريات، وتلك الالتزامات في ذات الوقت، التزامات أو قيود على حريات الآخرين في المجتمع، فحتى الإنسان فيما يملكه، يشكل في ذات الوقت التزاماً على عاتق غيره من أفراد المجتمع، بالتزام هذا الملك وعدم المساس به.

      وحق الدائن في اقتضاء حقه من مدينه بعد التزاماً على عاتق الأخير بسداد ما عليه من دين في الأجل المحدد للسداد، والتزاماً فردياً، وكذلك الشأن بالنسبة لكافة الحقوق والحريات الأخرى مثل حرية الإنسان في العقيدة والعمل والتنقل إلى غير ذلك من الحريات العامة، فمثل هذه الحريات تعد قيوداً على كفة أفراد المجتمع، باحترام هذه الحريات أو تلك الحقوق وعدم الاعتداء عليها.

      (سؤال للمقارنة):
      ما الفرق بين "الحقوق والحريات العامة" و "الالتزامات"؟ وكيف أن "حق" شخص ما هو "التزام" على شخص آخر؟

      خطة الدراسة وتقسيمها:

      يظهر مما تقدم أن دراسة القانون ترتكز على علم القانون، تنقسم إلى موضوعين اثنين، هما 'القانون' و 'الحق'، وعلى ذلك فإننا نقسم مؤلفنا هذا إلى قسمين رئيسيين، خصصنا الأول منهما لدراسة نظرية القانون، وأفردنا له الكتاب الأول من هذه الدراسة، أما القسم الثاني فخصصناه لدراسة نظرية الحق، وخصصنا له الكتاب الثاني من هذه الدراسة.

      ومن البديهي أن تسبق دراستنا لنظرية القانون بباب أول نرسم فيه مفاهيم مصطلح 'القانون' ومضمونه، وهو ما لا يمكن أن يتأتى إلا بالوقوف أولاً على تعريفه وخصائصه العامة التي تميز قواعده عن غيرها من القواعد الأخرى التي تحكم سلوك الأفراد في المجتمع، ثم ببيان فروعه وأقسامه المختلفة التي درج الفقه عليها منذ زمن طويل، ثم نتبعه إلى الباب بالحديث عن أنواع القواعد القانونية من حيث قوة الإلزام أو من حيث طبيعتها.

      أما عن تعريف القواعد القانونية على اختلاف أنواعها ومصادرها، فدراسة مصادر القانون، فقواعد القانون لا تنشأ من مصدر واحد، وإنما لها طرق شتى، فالتشريع، ومنها ما يكون بطريق العرف، ومنها ما يُستمد من الأحكام الدينية، ومنها ما يكون من مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة، وهذا كله يقتضي منا التعرض لهذه المصادر المختلفة التي تترد عنها القواعد القانونية بشيء من التفصيل.

      وبعد أن تمت القواعد القانونية على اختلاف أنواعها ومصادرها، وصدور الأحكام والمنشآت والأوامر الاشتباه، فما وجدت لتطبق على المخاطبين بها من أفراد المجتمع. وعلى الوقائع التي تتناولها بالتطبيق، وأول ما يمكن أن يثور من تساؤل: عند تطبيق هذه القواعد هو مدى جواز تطبيقها على من يدعي عدم علمه بها، فهل يقبل من أي فرد من أفراد المجتمع، تعذر جهله بالقواعد أم لا؟

      ثم أول التساؤل من ناحية أخرى، حول نطاق تطبيق تلك القواعد من حيث المكان، فهل تعد تطبيقها خارج نطاق إقليم الدولة التي أصدرتها، أم أنها تنطبق داخل حدود تلك الدولة فحسب؟ وأخيراً، يثور التساؤل أيضاً حول مدى إمكانية تطبيق تلك القواعد من حيث الزمان، فهل يمكن تطبيق تلك القواعد بأثر رجعي على ما مضى من أفعال قبل نفاذها، أم أنها تنطبق فقط على ما يستجد من تلك الوقائع في المستقبل بعد ميلادها؟

      ثم إذا ما وجدنا إجابة على كل هذه الأسئلة السابقة، وحددنا المدى الذي يمكن تطبيق القواعد القانونية من حيث الأشخاص والمكان والزمان، فإننا نجد أنفسنا أمام ضرورة أخرى تتعلق بتلك القواعد عند تطبيقها، فتبين أي قاعدة قانونية تحتاج إلى تفسير، فقواعد التشريع في شكل عام، ولكي يتأتى معرفة محتوى تلك القواعد، ومعرفة ما تحتوي عليه من حلول، فإنه ينبغي علينا التعرف على القواعد التي تحكم تفسير هذه، كل هذا يقتضي منا أن نرد الباب الثالث والأخير من هذه النظرية لدراسة المبادئ العامة التي تحكم تطبيق القانون وكيفية تفسيره.

      خلاصة خطة الدراسة (النظرية العامة للقانون)

      من هذه المقدمة الوجيزة يتضح لنا الموضوعات التي سنتناولها بالدراسة من خلال 'النظرية العامة للقانون' والتي يمكن أن نعرضها بشيء من خلال ثلاثة أبواب فيما يلي:

      • الباب الأول: المقصود بالقانون ومضمونه
      • الباب الثاني: مصادر القانون
      • الباب الثالث: تطبيق القانون وتفسيره

      Pages