درس المفاوصات المصرية البريطانية | تاريخ 3 ثانوي
مراحل المفاوضات المصرية البريطانية
مرت القضية الوطنية المصرية ومحاولات الاستقلال عن بريطانيا بسلسلة طويلة من المفاوضات. يمكن تقسيم هذه المفاوضات بين مصر وبريطانيا لحل القضية الوطنية إلى مرحلتين رئيسيتين، بدأت الأولى عام ١٩٢٠م وانتهت بتوقيع معاهدة ١٩٣٦م، وبدأت الثانية عام ١٩٤٦م بهدف تعديل هذه المعاهدة، وانتهت بإلغائها عام ١٩٥١م.
في هذا الدرس، سنتتبع بالتفصيل أحوال مصر السياسية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، مروراً بتصريح ٢٨ فبراير ١٩٢٢م، ودستور ١٩٢٣م، ومعاهدة ١٩٣٦م، وأحداث الحرب العالمية الثانية، وصولاً إلى قيام ثورة ١٩٥٢م.
نظرة عامة: المرحلتان الأولى والثانية
انقسمت المفاوضات بين مصر وبريطانيا لحل القضية الوطنية إلى مرحلتين:
المرحلة الأولى (يونيه ١٩٢٠م - أغسطس ١٩٣٦م)
- شملت مفاوضات "سعد / ملنر".
- صدور "تصريح ٢٨ فبراير ١٩٢٢م".
- شملت مفاوضات "سعد / مكدونالد".
- انتهت بـ: توقيع معاهدة ١٩٣٦م بين مصر وبريطانيا.
المرحلة الثانية (أبريل ١٩٤٦م - أكتوبر ١٩٥١م)
- تمحورت حول مفاوضات الحكومات المصرية المختلفة لتعديل معاهدة ١٩٣٦م بما يحقق جلاء بريطانيا عن مصر ووحدة وادي النيل.
- انتهت بـ: إلغاء معاهدة ١٩٣٦م وعودة النضال المسلح ضد الاحتلال البريطاني.
وفيما يلي نتجه هذه المفاوضات بشيء من التفصيل.
مفاوضات سعد / ملنر (١٩٢٠م)
بدأت المرحلة الأولى بمفاوضات بين سعد زغلول (رئيس الوفد المصري) و اللورد ملنر (وزير المستعمرات البريطاني).
أهدافها (بالنسبة لمصر)
- إلغاء الحماية البريطانية على مصر.
- اعتراف بريطانيا باستقلال مصر التام الداخلي والخارجي.
نتائجها
فشلت المفاوضات بسبب رفض سعد زغلول إبرام معاهدة مع بريطانيا لإصرارها على إعطاء مصر استقلالاً صورياً (شكلياً) من خلال:
- (١) تولي بريطانيا مهمة حماية المصالح الأجنبية والأقليات في مصر.
- (٢) حرمان مصر من الحق في إقامة علاقات مستقلة مع الدول الأخرى.
وتوالت الأحداث وقامت إنجلترا باعتقال سعد زغلول ونفيه إلى جزيرة سيشل بالمحيط الهندي تمهيداً لإصدار "تصريح ٢٨ فبراير ١٩٢٢م".
تصريح ٢٨ فبراير ١٩٢٢م
نتيجة لضغط الحركة الوطنية، أصدرت بريطانيا هذا التصريح من جانب واحد.
نصوص التصريح
- (١) انتهاء الحماية البريطانية على مصر، واعتبار مصر دولة مستقلة ذات سيادة.
- (٢) وجود أربعة تحفظات لصالح بريطانيا، وهي:
- (أ) تأمين حق بريطانيا في: تأمين مواصلات الإمبراطورية البريطانية في مصر (لتبرير وجود جيش الاحتلال الإنجليزي فيها).
- (ب) الدفاع عن مصر (لتبرير منع تكوين جيش مصري قوي).
- (ج) حماية المصالح الأجنبية والأقليات في مصر (لتبرير تدخلها المستمر في الشئون الداخلية).
- (د) التصرف في السودان.
نتائج التصريح (مميزاته وعيوبه)
المميزات (نتائج إيجابية):
- (١) رفع لقب حاكم مصر من "سلطان" إلى "ملك"، فأصبح السلطان فؤاد الأول يسمى الملك فؤاد الأول اعتباراً من مارس ١٩٢٢م.
- (٢) أعطى لمصر الحق في وضع دستور ليكون أساساً للحكم.
- (٣) نيابة الدخول في المرحلة الليبرالية (الديمقراطية) بعد صدور دستور ١٩٢٣م.
العيوب (نتائج سلبية):
- لم يحقق الاستقلال الوطني الكامل لوجود التحفظات الأربعة، فرفضه الشعب.
دستور ١٩٢٣م (مبادئ الليبرالية)
عقب صدور تصريح ٢٨ فبراير، شُكلت لجنة لوضع الدستور لتحقيق الهدف من دخول مصر المرحلة الليبرالية لتصبح الأمة المصرية مصدر السلطات بعد أن كان الحكم المصري أو الأجنبي هو مصدر السلطات.
المميزات (مبادئ ليبرالية)
احتوى الدستور على العديد من المبادئ الليبرالية، حيث تضمنت مبادئه:
- (١) الحريات: مثل حرية إبداء الرأي، حرية الصحافة، حرية الاعتقاد (الدين لله والوطن للجميع)، حرية الاجتماع وتكوين الجمعيات والأحزاب في حدود القانون والأخلاق والتقاليد.
- (٢) المساواة: جميع المصريين أمام القانون في الحقوق المدنية والسياسية وما عليهم من واجبات.
- (٣) حرمة المنازل والملكية: فلا تنتزع من أحد ملكيته إلا للمنفعة العامة بشرط تعويضه.
- (٤) فصل السلطات: فصل السلطات الثلاثة (التشريعية، والتنفيذية، والقضائية)، حيث:
- السلطة التشريعية: يتولاها البرلمان الذي يضم ممثلي الشعب المنتخبين.
- السلطة التنفيذية: يتولاها الملك، ولكنه غير مسئول وإنما يتولاها بواسطة وزرائه والوزارة ليست مسئولة أمام الملك وإنما أمام البرلمان.
العيوب (الانتقادات)
ولكن، تخلل الدستور في طياته نصوصاً متعارضة مما أثر على نوع الحياة الليبرالية في مصر (منذ صدوره وحتى ثورة ١٩٥٢م)، فكانت:
- (١) أعطى للملك حق حل البرلمان دون قيد أو شرط وإقالة الوزارة مهما حازت على ثقة الأمة.
- (٢) ظلت تلك من الناحية الفعلية هو مصدر السلطات معظم تلك المرحلة الليبرالية.
وزارة الشعب (يناير ١٩٢٤م) وإنجازاتها
نتيجة لصدور الدستور، أجريت الانتخابات العامة وحصل حزب الوفد برئاسة سعد زغلول باشا على أغلبية ساحقة (٩٠٪)، فألف أول وزارة شعبية دستورية في تاريخ مصر يناير ١٩٢٤م.
إنجازات الوزارة (سياسية واقتصادية واجتماعية)
نعمت مصر بأول ثمار الحياة الدستورية في ظل وزارة سعد زغلول، حيث عملت على تطوير شئون البلاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية عن طريق:
- (١) بيع أكبر جزء من أراضي الحكومة لصغار المزارعين.
- (٢) تخليص الحياة الاقتصادية من السيطرة الأجنبية، وفصل العملة المصرية عن العملة البريطانية.
- (٣) زيادة ميزانية وزارة المعارف.
- (٤) وضع مشروع قانون التعليم الإجباري للبنين والبنات.
- (٥) صبغ الإدارة بالصبغة المصرية (تمصير الإدارة) عن طريق إحلال الموظفين المصريين محل الأجانب.
- (٦) تشجيع الحركة الوطنية في السودان والتي تسعى لوحدة مصر والسودان وتحرير وادي النيل من الإنجليز.
النتيجة: أدت سياسة وزارة الشعب إلى اشتعال الحركة الوطنية في مصر والسودان، مما أغضب الحكومة البريطانية التي كانت ترغب في فصل السودان عن مصر.
مفاوضات سعد / مكدونالد
تُعد أول مفاوضات في عهد الحكم الدستوري بين (وزارة الشعب ورئيسها الحكومة البريطانية).
أهدافها
هدفت إلى عقد معاهدة تحقق لمصر الاستقلال التام وتحقق لبريطانيا مصالحها.
نتائجها وسبب فشلها
فشلت المفاوضات بسبب إصرار بريطانيا على:
- (١) التدخل في شئون مصر الداخلية والسيطرة على سياستها الخارجية.
- (٢) بقاء القوات البريطانية في منطقة قناة السويس.
نتائج فشل المفاوضات
- قيام مصريين باغتيال السير لي ستاك (قائد عام الجيش المصري "السردار").
- أدى ذلك إلى استقالة أول حكومة شعبية منتخبة (وزارة الشعب) في مصر وهي وزارة سعد زغلول.
نتائج اغتيال السير لي ستاك (السردار)
انتهزت إنجلترا الفرصة، وتقدمت لبعض الإجراءات، تتمثل في:
الإجراءات البريطانية
- (١) توجيه إنذار شديد اللهجة لسعد زغلول يتضمن:
- دفع تعويض قدره نصف مليون جنيه.
- سحب الجيش المصري من السودان مما يعني فصل السودان عن مصر من الناحية الفعلية.
- (٢) أمرت قواتها باحتلال جمارك الإسكندرية.
رد الفعل المصري
- رفض سعد زغلول الإنذار واضطر لتقديم استقالة وزارته إلى الملك أحمد فؤاد.
- قام الملك بتكليف أحمد زيور باشا بالوزارة، الذي قبل شروط الإنذار البريطاني.
- أدى ذلك إلى انتكاس الحركة الوطنية.
أسباب انتكاس الحركة الوطنية بعد مقتل السردار
- (١) تمسك الملك فؤاد بالديكتاتورية والعبث بالحياة الدستورية، منتهزاً تأييد الإنجليز له وصدام حزب الوفد مع الإنجليز، فقام بحل مجلس النواب في نفس يوم انعقاده بعد فوز حزب الوفد في الانتخابات.
- (٢) التهديد الإنجليزي باستخدام القوة والتدخل السافر لتعطيل الحياة النيابية أمام تمسك الشعب المصري بالحياة النيابية، تدخلت إنجلترا لإجبار الملك على عودتها، ولم تلبث أن تم سخط الشعب وتألفت وزارة يتم تكليف عدلي يكن بتشكيل وزارة ائتلافية.
معاهدة ١٩٣٦م (معاهدة الصداقة والتحالف)
بعد سلسلة من المفاوضات الفاشلة، تغيرت الظروف الدولية مما أجبر بريطانيا على التفاوض.
الظروف التي سبقتها (أسباب المعاهدة)
- (١) تغير الموقف الدولي (أثناء وزارة توفيق نسيم) بسبب غزو إيطاليا للحبشة عام ١٩٣٥م وظهور بوادر نشوب حرب عالمية ثانية.
- (٢) طالب حزب الوفد بإجراء مفاوضات مع بريطانيا بشأن التحفظات الأربعة لتصريح ٢٨ فبراير ١٩٢٢م، ولكن الحكومة البريطانية تهربت من المطلب.
- (٣) صرح وزير خارجيتها "صمويل هور" في نوفمبر ١٩٣٥م بأن: "بريطانيا تفضل التعامل مع مصر بحرية دون قيود".
رد الفعل الوطني ونتائجه
ترتب على ذلك:
- (١) اشتعال البلاد وتعطل وسائل المواصلات.
- (٢) تأليف جبهة وطنية تعمل لإعادة دستور ١٩٢٣م وعقد المعاهدة.
نتيجة لذلك، اضطرت بريطانيا للتراجع عن موقفها، وقامت بـ:
- (١) إعطاء أمر للملك بإعادة دستور ١٩٢٣م.
- (٢) الموافقة على الدخول في مفاوضات مع مصر لإبرام معاهدة (بشرط أن يكون الاتفاق مع ممثلي الشعب المصري لضمان قبول المعاهدة من جميع الأحزاب).
- (٣) تشكلت وزارة برئاسة مصطفى النحاس باشا وبدأ المفاوضات.
(اختر):
ارتبطت عودة الحياة النيابية في مصر بعد تعطيلها بـ...
(أ) غزو إيطاليا للحبشة. (ب) تصريح صمويل هور. (ج) مطالبة حزب الوفد. (د) اشتعال المظاهرات.
أحوال مصر السياسية أثناء الحرب العالمية الثانية
تطورت علاقات مصر ببريطانيا تطوراً خطيراً. نشبت الحرب العالمية الثانية في سبتمبر ١939م، حيث حدثت خلافات بين حكومة علي ماهر باشا وبين بريطانيا بسبب رفضه طلب بريطانيا بأن تعلن مصر الحرب على دول المحور.
حادث ٤ فبراير ١٩٤٢م
قبل الملك فاروق قبول المحور في عهد حكومة حسين سري باشا. فطالبت انجلترا بالاعتماد على قوات الحلفاء وعدم الميول للمحور. ووجهت إنذاراً للملك في ٤ فبراير ١٩٤٢م بضرورة أن يتولى النحاس باشا رئاسة الحكومة.
وعندما رفض الملك الإنذار، حاصرته القوات البريطانية في قصر عابدين بالدبابات وأجبرته على تكليف النحاس بتشكيل الحكومة، فقبل النحاس باشا العرض.
نتائجه:
- (١) قبل المشاورة الإنجليز-البريطانية وكلف مصطفى النحاس (رئيس حزب الوفد) بتشكيل الوزارة.
- (٢) تراجع السفير البريطاني عن ذلك.
- (٣) تعاونت حكومة الوفد مع بريطانيا لدفع خطر المحور الفاشي، حيث قدمت مساعدات عسكرية هامة ساعدت بريطانيا على هزيمة دول المحور في الحرب العالمية الثانية.
إقالة الملك لحكومة الوفد (أكتوبر ١٩٤٤م)
ومع قرب انتهاء الحرب، سمحت بريطانيا للملك بإقالة حكومة الوفد في أكتوبر ١٩٤٤م، وتعيين حكومة من حكومات الأقلية.
الأسباب الآنية:
- (١) خشية بريطانيا من مطالبة حكومة الوفد لها بجلاء القوات البريطانية عن مصر ووحدة وادي النيل ثمناً لمساعدتها في الحرب.
- (٢) ليشغل الشعب المصري بالصراع من أجل الدستور عن الصراع ضد إنجلترا.
أحوال مصر بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية (حتى ١٩٥٢م)
بعد انتهاء الحرب، دخلت البلاد مرحلة من عدم الاستقرار السياسي.
فشل المفاوضات وعرض القضية على مجلس الأمن
- (١) فشلت حكومات الأقلية التي تعاقبت بعد عام ١٩٤٤م في تعديل معاهدة ١٩٣٦م وتحقيق الاستقلال.
- (٢) لجأت مصر لمجلس الأمن عام ١٩٤٧م لعرض قضية استقلالها، ولكن مجلس الأمن لم يتخذ قراراً في القضية وتركها معلقة.
نتيجة لهذه الأحداث (تصاعد الحركة الوطنية)
- (١) نتيجة لفشل الحلول السياسية، تصاعدت حركة التحرر الوطني (اغتيالات وتفجيرات سياسية).
- (٢) دخلت مصر مع الدول العربية "حرب فلسطين" عام ١٩٤٨م لتخليصها من اليهود.
- (٣) أعلن مصطفى النحاس باشا (رئيس الوزراء) في أكتوبر ١٩٥١م إلغاء معاهدة ١٩٣٦م، وأطلق الحرية للشعب للنضال المسلح.
نتائج إلغاء معاهدة ١٩٣٦م
- (١) إطلاق الحرية للشعب للنضال المسلح ضد القوات البريطانية في القناة.
- (٢) قيام جماعات الفدائيين بمهاجمة المعسكرات البريطانية.
- (٣) قيام الحكومة (الوفد) بزيادة عدد جنود بلوكات النظام (رجال الشرطة) لمساعدة الفدائيين.
- (٤) قيام الإنجليز بمحاصرة مبنى محافظة الإسماعيلية في ٢٥ يناير ١٩٥٢م لنزع سلاح جنود بلوكات النظام، مما أدى لاستشهاد المئات من الضباط.
- (٥) وقع "حريق القاهرة" في اليوم التالي (٢٦ يناير ١٩٥٢م).
- (٦) أعلن الملك الأحكام العرفية وأقال حكومة الوفد وعين علي ماهر باشا رئيساً للوزارة.