شرح درس قيام الحرب العالمية الأولى ومصير الدولة العثمانية | تاريخ 3 ثانوي
قيام الحرب العالمية الأولى ومصير الدولة العثمانية
شهد مطلع القرن العشرين أحداثاً جسيمة أدت إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى، والتي كان لها تأثير مباشر على مصير الدولة العثمانية المترنحة، ومستقبل البلاد العربية التي كانت خاضعة لسيطرتها.
في هذا الدرس، سنتعرف على مصير الدولة العثمانية بدخولها الحرب، وموقف البلاد العربية من إعلان الجهاد المقدس، وقيام الثورة العربية الكبرى عام ١٩١٦م، وانعكاسات اتفاقية سايكس بيكو على المنطقة.
مصير الدولة العثمانية بدخولها الحرب
دخلت الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى (١٩١٤م - ١٩١٨م) وانضمت إلى جانب دول الوسط (ألمانيا والنمسا)، ضد دول الوفاق (إنجلترا وفرنسا).
أسباب دخول الدولة العثمانية الحرب
- لاسترداد ما اقتنصته منها دول الوفاق (مثل تونس التي احتلتها فرنسا، ومصر التي احتلتها إنجلترا).
- لإنقاذ نفسها وما تبقى تحت يدها من ولايات عربية من مخططات دول الوفاق لاقتسام الدولة العثمانية فيما بينهم.
إعلان الجهاد المقدس (نوفمبر ١٩١٤م)
قام الأسطول العثماني في بداية الحرب العالمية الأولى، مدعماً بقطعتين حربيتين ألمانيتين، بقصف ميناءين روسيين هما "أوديسا" و "سيباستوبول" في نوفمبر ١٩١٤م.
أعقب ذلك إعلان الدولة العثمانية "الجهاد المقدس" ضد دول الوفاق.
موقف البلاد العربية من إعلان الجهاد المقدس
أثارت دعوة الجهاد في بداية الأمر حماساً في البلاد العربية، ولكن لم يلبث أن ساد الحذر بين زعماء العرب.
أسباب الحذر والتردد لدى العرب
- فشل المؤتمر العربي الأول بباريس، والتسوية العربية التركية التي أعقبته، في التوصل إلى نتائج مرضية للعرب.
- استمرار الأزمة بين الأتراك والعرب.
ولهذه الأسباب، نما تيار فكري يدعو إلى التريث في تأييد العثمانيين، ويفضل الاتصال بكافة الأطراف المعنية (بما في ذلك دول الوفاق) لمعرفة موقفها من المطالب العربية.
ويتزعم هذا التيار "الشريف حسين بن علي" أمير مكة، الذي شرع في اتصالاته مع الإنجليز قبل إعلان الحرب العالمية الأولى.
موقف إنجلترا من إعلان الجهاد المقدس
انزعجت إنجلترا من إعلان الدولة العثمانية لفكرة الجهاد المقدس، بسبب الخوف من صداه بين المسلمين، حيث كانت إنجلترا تحكم الهند وجنوب شرق آسيا وبهما ما يقرب من ٥٠ مليون مسلم على الأقل.
مراسلات الحسين / مكماهون (١٩١٥ - ١٩١٦م)
عبر الشريف حسين في هذه المراسلات عن طموحاته وتطلعات زعماء العرب، التي تمثلت في "مشروع الدولة العربية الكبرى".
تطلعات الشريف حسين (مشروع الدولة العربية)
- أن يتولى الخلافة الإسلامية بدلاً من الخليفة (السلطان) العثماني.
- استقلال البلاد العربية التي ما زالت تحت الحكم العثماني، وتشمل:
- من مرسين وأطنة شمالاً إلى الحدود العراقية الفارسية والخليج العربي شرقاً.
- سوريا وشبه الجزيرة العربية غرباً (مع استثناء عدن الخاضعة لإنجلترا).
موقف بريطانيا من مطالب الشريف حسين
رفضت بريطانيا مطالب الشريف حسين بأن يتولى الخلافة الإسلامية أو أن يكون ملكاً على العرب.
أسباب الرفض البريطاني
جاء الرفض لأن مطالب الشريف حسين تتعارض مع مصالح بريطانيا وحلفائها:
- إنجلترا لها ارتباطات والتزامات مع مشايخ الخليج العربي.
- عقدت "اتفاقية دارين" عام ١٩١٥م مع عبد العزيز آل سعود.
- عقدت اتفاقية مع الإدريسي (حاكم عسير).
- عقدت اتفاقيات مع حكام عمان ومشايخ الساحل (الإمارات العربية).
- وجود مصالح استراتيجية لفرنسا (حليفة إنجلترا) في الشام (غرب حماة وحلب وحمص ودمشق).
- سيطرة بريطانيا الفعلية على جنوب العراق "البصرة".
- اعتبار أن "مرسين" و "أطنة" منطقتين غير عربيتين.
وبذلك أبدى الإنجليز تحفظهم على طموحات الشريف حسين، وأبقوا الباب مفتوحاً لمواصلة الاتصالات (تجاهل).
أسباب الثورة العربية (١٩١٦م)
على الرغم من التحفظات البريطانية، قرر الشريف حسين إعلان الثورة.
العوامل الدافعة للثورة
- رغبة الشريف حسين في تكوين دولة عربية كبرى، وأن يكون هو خليفة للمسلمين.
- تخوف الشريف حسين من إقصاء الأتراك له والانقضاض عليه، بعدما شعروا بمماطلته في الاشتراك معهم بالحرب.
- استياء الأتراك (خاصة جمال باشا السفاح) من تحركات الشريف حسين (التي اعتبروها تخابراً مع أعداء الدولة).
- حصار جمال باشا للحجاز لمنع وصول المؤن، وقيامه بإعدام زعماء الحركة العربية في سوريا ولبنان بناءً على وثائق تدينهم عثر عليها في القنصلية الفرنسية.
- التآمر مع أعوانه لاغتيال الشريف حسين.
لم يجد الشريف بداً من إعلان الثورة.
مقدمات الثورة العربية (التفاصيل)
كلف السلطان العثماني والي جدة (وهيب باشا) الشريف حسين بن علي بإعلان الجهاد المقدس، لكن الشريف تريث.
تفاصيل التحركات الدبلوماسية والعسكرية
- في الوقت نفسه، سعت إنجلترا للتفاهم مع الشريف حسين.
- في مارس ١٩١٥م، اتفقت إنجلترا مع روسيا وفرنسا على اقتسام أملاك الدولة العثمانية.
- بدأت المراسلات بين الشريف حسين والسير هنري مكماهون المندوب السامي البريطاني في القاهرة.
- أرسل الشريف ابنه الأمير فيصل إلى الأستانة (إسطنبول) لمقابلة الصدر الأعظم، وفي طريقه نزل بدمشق والتقى بزعماء الحركة الوطنية وأخذ منهم "بروتوكول دمشق" الذي يطالب بالدولة العربية.
- في نفس الوقت، كانت بريطانيا قد استولت على البصرة (العراق).
- بدأت "مراسلات الحسين / مكماهون" رسمياً.
- في مايو ١٩١٦م، قام جمال باشا (الحاكم العسكري التركي لسوريا) بإعدام نخبة من الوطنيين العرب في دمشق وبيروت.
- عندها، أيقن الشريف حسين أنه الهدف التالي، فوعده الإنجليز بالاعتراف به خليفة.
إعلان الشريف حسين للثورة (يونيه ١٩١٦م)
وجد الشريف حسين أنه إن لم يعلن الثورة فإن الأتراك سيقضون عليه، فأعلن الثورة في يونيه ١٩١٦م.
صادفته الموقف الإنجليزي بعدم حصوله منهم على اعتراف صريح بحق العرب في الاستقلال، معتمداً على حسن تقييم الإنجليز لحلفائهم.
ولكن كان الإنجليز والحلفاء يطمعون فيما وراء الاستيلاء، ولم تسلم لهم هم أولاد.
نتائج الثورة العربية
النتائج العسكرية
- تصفية الوجود العسكري التركي في الحجاز، باستثناء حامية المدينة المنورة.
- الزحف شمالاً والاستيلاء على "العقبة".
- تكونت قوات الجيش العربي بقيادة الأمير فيصل بن الحسين، الذي دخل القدس ودمشق ثم حمص وحماة وحلب.
النتائج السياسية (نهاية الحرب)
- طرد القوات العثمانية من العراق والاستيلاء على بغداد، وأصبحت على مقربة من الموصل.
- فأعلنت الدولة العثمانية وقف القتال، وعقدت "هدنة مدروس" في نوفمبر ١٩١٨م.
- الاستيلاء على الموصل (قبل إعلان الهدنة).
اتفاقية سايكس - بيكو (١٩١٦م)
في الوقت الذي كانت فيه قوات الثورة العربية بقيادة فيصل بن الحسين تحقق انتصارات في سوريا وبلاد الشام، اكتشفت مؤامرة واسعة النطاق على العرب.
فضح الاتفاقية
حيث سربت روسيا البلشفية (بعد قيام الثورة الشيوعية) نصوص اتفاقية ثلاثية كانت قد عقدتها روسيا القيصرية وفرنسا وإنجلترا لاقتسام أملاك الدولة العثمانية.
وأعلنت روسيا البلشفية رفضها لهذه المؤامرة، فانفردت إنجلترا وفرنسا وعرفت باسم "اتفاقية سايكس - بيكو".
تقسيم الهلال الخصيب (سوريا والعراق)
بموجب اتفاقية سايكس - بيكو، تم تقسيم الهلال الخصيب (سوريا والعراق) على النحو التالي:
بنود التقسيم
- جناحها الفاضل بما في ذلك (منطقة نفوذ فرنسي - المنطقة الزرقاء).
- جنوب العراق (منطقة نفوذ إنجليزي - المنطقة الحمراء).
- حتى شطري العراق، بما في ذلك بغداد (منطقة نفوذ إنجليزي - المنطقة الحمراء).
- العراق (ولاية البصرة وبغداد).
- حيفا وعكا (تحت النفوذ الإنجليزي).
- أجزاء من جنوب الشام (سوريا) حتى حدود شبه جزيرة سيناء الشرقية.
- إقامة نظام دولي في فلسطين (المنطقة السمراء).
- تقسيم المنطقة العربية الصحراوية بين العراق والشام إلى منطقتي نفوذ (أ) فرنسي و (ب) إنجليزي.
نتائج اتفاقية سايكس - بيكو
على الأرض
- نجحت إنجلترا في إبعاد الأمير فيصل والقوات العربية من دخول بيروت، وسمحت لفرنسا بإنزال قواتها هناك وإنزال العلم العربي المرفوع.
- فشل الشريف حسين (ملك الحجاز) في كسب أعضاء مؤتمر الصلح بباريس عام ١٩١٩م، إلى جانب قضية استقلال العرب، وواجه موقفه أمام الدول المستعمرة.
مؤتمر سان ريمو (١٩٢٠م)
عُقد مؤتمر سان ريمو بين دول الحلفاء (إنجلترا وفرنسا) لوضع اتفاقية (سايكس - بيكو) موضع التنفيذ.
قرارات المؤتمر (تعديل الاتفاقية)
وجهة نظره (قراراته):
- العراق وفلسطين تحت الانتداب الإنجليزي.
- سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي.
وهو ما يتضح في الخريطة.
دخول الحجاز في حكم آل سعود (توسع آل سعود في الجزيرة العربية)
نجحت قوات الشريف حسين في إسقاط الحكم العثماني في سوريا لإعلان الدولة العربية الكبرى.
ولكن، في هذا الوقت كان "عبد العزيز آل سعود" يتجه لتوسيع حكمه حيث قام بـ:
خطوات توسع الدولة السعودية
- الضغط العسكري على (الشريف حسين) وإبادة قواته في أول صدام معه عند "تربة" عام ١٩١٩م.
- ضم "حائل" عام ١٩٢١م بعد أن ضرب "آل الرشيد" ضربة نهائية.
- الاستيلاء على "الطائف" عام ١٩٢٤م.
- الاستيلاء على مدن الحجاز، والتي تساقطت في يده الواحدة بعد الأخرى.
نتائج التوسع
- اضطر الشريف حسين لمغادرة الحجاز.
- أطلق (عبد العزيز آل سعود) على نفسه لقب "ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها" في يناير ١٩٢٦م.
- الدخول في حرب مع اليمن عام ١٩٣٤م حول "عسير" والانتصار عليهم.
الصراع حول عسير
كانت "عسير" (تحت حكم الأدارسة) محط تطلع لضمها من كل من:
- يحيى حميد الدين (إمام اليمن).
- عبد العزيز آل سعود (الذي اعتبرها جزءاً من الدولة السعودية).
فشلت محاولات التسوية بين الطرفين (السعودية واليمن)، فوقعت الحرب وانتهت بانتصار عبد العزيز آل سعود.
تم عقد "معاهدة الطائف" بين السعودية واليمن عام ١٩٣٤م، وبمقتضاها أصبحت "عسير" جزءاً من الدولة السعودية.