الحركة الوطنية في عهد الاحتلال البريطاني - تاريخ ثالثه ثانوي

شرح درس الحركة الوطنية في عهد الاحتلال البريطاني

يتناول هذا الدرس كفاح الشعب المصري ضد الاحتلال البريطاني بعد فشل الثورة العرابية عام ١٨٨٢. لم يستسلم المصريون للاحتلال، ولكن الحركة الوطنية مرت بمرحلتين مختلفتين: مرحلة "الخمود" في العشر سنوات الأولى، تلتها مرحلة "الازدهار" مع تولي الخديوي عباس حلمي الثاني وظهور مصطفى كامل ومحمد فريد.

سنتعرف على أسباب خمود الحركة الوطنية، ثم ندرس بالتفصيل كيف نجح "مصطفى كامل" في إيقاظ الوعي القومي داخلياً وكسب تأييد الدول الأوروبية خارجياً، وكيف أكمل "محمد فريد" هذا الكفاح في ظروف أشد صعوبة.

مرحلة الخمود (العشر سنوات الأولى للاحتلال)

لم تقم حركة وطنية قوية في مصر خلال العشر سنوات الأولى للاحتلال (١٨٨٢ - ١٨٩٢). خمدت المقاومة بشكل ملحوظ، ولم تظهر سوى بعض مظاهر المقاومة الضعيفة.

(تعليل) أسباب خمود الحركة الوطنية في هذه الفترة

  • السيطرة الإنجليزية: نجاح الإنجليز في فرض سيطرتهم الكاملة على البلاد، ووجود جيش الاحتلال في مراكز القوة.
  • سياسة اللورد كرومر: خضوع الخديوي توفيق التام لسلطات الاحتلال البريطاني، واتباع المعتمد البريطاني (اللورد كرومر) سياسة "القبضة الحديدية" (النجلزة) والتشدد مع الوطنيين.
  • تفرق قادة الثورة: انشغال بعض الشخصيات الوطنية بالوظائف الحكومية أو الأعمال الخاصة (مثل المحاماة)، والبعض الآخر صانع الإنجليز (أي أصبح موالياً لهم).
  • نفي زعماء العرابيين: تم نفي زعماء الثورة العرابية (مثل عرابي) واعتقال البعض الآخر.

مظاهر المقاومة الضعيفة (جمعيات سرية)

رغم هذا الخمود، ظهرت بعض أشكال المقاومة السرية:

  • جمعية الانتقام: كانت جمعية سرية تهدف إلى "اغتيال الإنجليز"، ولكن تم اكتشافها والقضاء على أفرادها عام ١٨٨٣.
  • جريدة العروة الوثقى: أسسها "جمال الدين الأفغاني" و "الشيخ محمد عبده" بهدف مهاجمة الاحتلال، ولكنها توقفت سريعاً.
  • جريدة المؤيد: أُنشئت عام ١٨٨٩ في إطار "الجامعة الإسلامية".

(سؤال مقالي):
"لم يمت الوعي الوطني تماماً في السنوات العشر الأولى للاحتلال، ولكنه تحول من العلن إلى السر".
دلل على صحة هذه العبارة بمثالين.

مرحلة الازدهار (عهد عباس حلمي الثاني)

تولى الخديوي "عباس حلمي الثاني" الحكم عام ١٨٩٢ بعد وفاة والده توفيق. وفي بداية عهده، لم يكن راضياً عن سيطرة الإنجليز (بقيادة كرومر)، وحاول أن يمارس سلطاته بعيداً عن سيطرة المعتمد البريطاني.

مواقف الخديوي عباس حلمي الثاني المتشددة

أدت مواقف الخديوي المتشددة في بداية حكمه إلى "إيقاظ الوعي الوطني" ومنحت الحركة الوطنية دفعة قوية.

أهم مواقفه:

  • قام "بعزل مصطفى فهمي" من رئاسة الوزارة (لأنه كان معروفاً بخضوعه التام للإنجليز).
  • عيّن "حسين فخري باشا" رئيساً للوزارة "دون استشارة" اللورد كرومر.

الصدام مع كرومر وتراجعه

أدى هذا التصرف إلى غضب اللورد كرومر، الذي أبلغ حكومته في لندن. اضطر الخديوي "للمهادنة" والتراجع، وتم التوصل إلى حل وسط يقضي بتكليف "نوبار باشا" برئاسة الوزارة.

أدرك الخديوي عباس صعوبة مواجهة الإنجليز مباشرة، فبدأ في "المسالمة" معهم، ولكن الحركة الوطنية كانت قد اشتعلت بالفعل.

ازدهار الحركة الوطنية في عهده

(تعليل) أسباب ازدهار الحركة الوطنية في عهد عباس حلمي:

  • مواقف الخديوي المتشددة في بداية عهده (كما ذكرنا).
  • بدأ الخديوي في توثيق علاقته بالسلطان العثماني لمواجهة السيطرة الإنجليزية.
  • بدأ المثقفون والوطنيون في التجمع حول "صالونات فكرية" و "منتديات أدبية"، وانتشرت الصحف التي تناقش قضايا الاستقلال.
  • عودة "البعثات" من أوروبا، الذين تأثروا بأفكار الحرية والديمقراطية، وبدأوا يطالبون بالدستور والحكم النيابي (وكان "مصطفى كامل" من أبرز هؤلاء العائدين).

اختر الإجابة الصحيحة:
يُعد العامل الأهم في ازدهار الحركة الوطنية في تسعينيات القرن التاسع عشر هو...
(أ) قوة جيش الاحتلال.
(ب) ضعف سلطة الخديوي توفيق.
(ج) عودة الدارسين من البعثات وتأثرهم بالحياة الأوروبية.
(د) استسلام قادة الثورة العرابية.

كفاح مصطفى كامل (داخلياً وخارجياً)

قاد "مصطفى كامل" الحركة الوطنية في هذه الفترة، وكان يتمتع بوعي كبير وأسلوب بليغ في الخطابة والكتابة.

الكفاح الداخلي (إيقاظ الوعي)

ركز مصطفى كامل في الداخل على "إيقاظ الوعي" وتوحيد الصفوف تحت راية المطالبة بالاستقلال (الجلاء) والدستور.

وسائله:

  • استخدم "أسلوب المحاماة" في خطبه ومقالاته لتنبيه المصريين إلى خطورة الاحتلال.
  • حاول "التنسيق" مع الخديوي عباس حلمي الثاني في بداية كفاحه (حتى لا يقع في نفس خطأ عرابي من حيث الانقسام بين السلطة الصورية والفعلية).
  • طالب بإنشاء "الجامعة المصرية" (جامعة القاهرة حالياً) كرد على سياسة "دانلوب" لإماتة التعليم.
  • أسس "جريدة اللواء" عام ١٩٠٠ لتكون منبراً للحركة الوطنية.
  • أسس "الحزب الوطني" عام ١٩٠٧ (ليكون تنظيماً سياسياً).

الكفاح الخارجي (كسب التأييد الدولي)

أدرك مصطفى كامل أهمية كسب تأييد القوى الدولية (خاصة فرنسا) لقضية استقلال مصر.

وسائله:

  • سافر إلى أوروبا (خاصة فرنسا) عدة مرات، وكتب في الصحف الأوروبية، وعقد علاقات مع السياسيين والمثقفين الأوروبيين لشرح قضية مصر.
  • اعتمد بشكل كبير على "فرنسا" (العدوة التقليدية لإنجلترا) لدعم استقلال مصر.
  • طالب السلطان العثماني بالمساعدة في "جلاء" الإنجليز عن مصر (في إطار حركة الجامعة الإسلامية).

(سؤال مقالي):
"تعلم مصطفى كامل من أخطاء الثورة العرابية".
دلل على صحة العبارة، موضحاً كيف حاول مصطفى كامل تجنب الصدام مع الخديوي؟

حادثة دنشواي (١٩٠٦) وسياسة جورست

شهد كفاح مصطفى كامل تحولاً جذرياً بعد حادثة دنشواي، وتغيرت السياسة البريطانية في مصر نتيجة لذلك.

حادثة دنشواي (يونيه ١٩٠٦)

أثناء قيام بعض الضباط الإنجليز بصيد الحمام في قرية "دنشواي"، أصابت رصاصة إحدى الفلاحات المصريات، واشتعلت النيران في جرن قمح. طارد الأهالي الضباط، فأصيب أحدهم بضربة شمس ومات.

الأحكام القاسية: شكل الإنجليز محاكمة عسكرية صورية، وأصدرت "أحكاماً قاسية جداً" بإعدام عدد من الأهالي وسجن وجلد آخرين، بهدف "إخماد صوت الوطنيين" إلى الأبد.

تنديد مصطفى كامل بالحادثة (النتيجة)

استغل مصطفى كامل هذه الحادثة البشعة، وندد بها في الصحف المصرية والأوروبية، وفضح "وحشية" الاحتلال البريطاني وسياساته القمعية.

النتائج: أدى هذا التنديد إلى إحراج الحكومة البريطانية أمام الرأي العام العالمي، فقامت بـ:

  • (١) سحب "اللورد كرومر" (المعتمد البريطاني) من مصر عام ١٩٠٧ (بعد حكم دام ٢٤ عاماً)، لتهدئة الرأي العام.
  • (٢) تعيين "اللورد جورست" معتمداً بريطانياً جديداً.

سياسة اللورد جورست (التهدئة)

جاء "جورست" بسياسة "مهادنة" و "تخفيف" للقبضة الحديدية، عكس كرومر. وقام بـ:

  • تخفيف الرقابة على تصرفات الخديوي.
  • توسيع سلطات مجلس النظار (الوزارة).
  • منح الفرصة للمصريين لإدارة شؤون بلادهم (بدأ في "تمصير" الإدارة).
  • إيقاف سياسة "النجلزة" (إحلال الإنجليز محل المصريين).

(توفي مصطفى كامل عام ١٩٠٨ وتولى زعامة الحزب الوطني بعده "محمد فريد").

(ما النتائج المترتبة على): تنديد مصطفى كامل بحادثة دنشواي في أوروبا؟

كفاح محمد فريد في مواجهة الاحتلال والخديوي

تولى "محمد فريد" زعامة الحزب الوطني في ظروف صعبة جداً، حيث تغيرت السياسة الدولية والداخلية بشكل كبير ضد الحركة الوطنية.

الظروف الصعبة في عهد محمد فريد

  • تغير سياسة الخديوي: تخلى الخديوي "عباس حلمي الثاني" تماماً عن مساندة الحركة الوطنية، وبدأ في "التقارب" و "المهادنة" مع الإنجليز (بعد رحيل كرومر ومجيء جورست).
  • الوفاق الودي (١٩٠٤): حدث "الوفاق الودي" بين "إنجلترا وفرنسا" (تمهيداً للحرب العالمية الأولى)، ونص على أن "تطلق فرنسا يد إنجلترا في مصر" مقابل أن "تطلق إنجلترا يد فرنسا في مراكش (المغرب)".
    النتيجة: تخلت "فرنسا" (التي كان يعتمد عليها مصطفى كامل) عن مساندة قضية استقلال مصر.
  • سياسة كتشنر: بعد وفاة "جورست"، جاء المعتمد البريطاني الجديد "كتشنر" وأعاد سياسة "القبضة الحديدية" والاضطهاد والرقابة الشديدة.

كفاح محمد فريد

رغم هذه الظروف، كافح محمد فريد في جبهتين (ضد الإنجليز وضد الخديوي في نفس الوقت).

أهم إسهاماته:

  • عمل على "تثقيف عامة الشعب" وتعليمهم في "مدارس ليلية" (لأن التعليم هو سلاح مواجهة الاحتلال).
  • أسس "نقابات عمالية" لتنظيم العمال وحماية مصالحهم (أول نقابة للصناع اليدويين ١٩٠٩).
  • ساهم في تكوين نقابات عمال الصنايع اليدوية عام ١٩٠٩.

نتيجة لملاحقة الإنجليز له، اضطر محمد فريد لمغادرة مصر عام ١٩١١ وواصل كفاحه من ألمانيا والنمسا، وتوفي في ألمانيا عام ١٩١٩ قبل أن يرى استقلال بلاده.

(بم تفسر): كان كفاح "محمد فريد" في ظروف أصعب بكثير من كفاح "مصطفى كامل"؟