شرح درس استعمار فرنسا للجزائر حتى الاستقلال | تاريخ 3 ثانوي

استعمار فرنسا للجزائر ١٨٣٠م حتى الاستقلال ١٩٦٢م

يمثل احتلال فرنسا للجزائر فصلاً طويلاً ومؤلماً في تاريخ المنطقة، بدءاً من عام ١٨٣٠م. لم يكن هذا الاحتلال وليد صدفة، بل كان نتاجاً لعلاقات متغيرة ومصالح اقتصادية وسياسية.

في هذا الدرس، سنتعرف بالتفصيل على علاقة فرنسا بالجزائر قبل الاحتلال، والسياسة الاستعمارية التي اتبعتها فرنسا بعد احتلالها، ثم نتتبع مراحل كفاح الشعب الجزائري، ودور الزعامات الوطنية، وموقف مصر الحاسم من الثورة الجزائرية حتى نيل الاستقلال عام ١٩٦٢م.

أولاً: احتلال فرنسا للجزائر

لم تكن فكرة احتلال فرنسا للجزائر وليدة حادثة المروحة المعروفة عام ١٨٢٧م، بل كانت هناك عوامل أعمق وأقدم مهدت لهذا الاحتلال.

علاقة فرنسا بالجزائر قبل الاحتلال

مرت العلاقة بين البلدين بمرحلتين متميزتين قبل الغزو:

المرحلة الأولى: العلاقات الطيبة

  • كانت تربط فرنسا علاقات طيبة مع الجزائر.
  • كانت فرنسا تستورد القمح من الجزائر (على سبيل الاقتراض).
  • السبب: يرجع ذلك إلى الحصار الاقتصادي الذي فرضته إنجلترا على فرنسا أثناء معارك الثورة الفرنسية ضد ممالك أوروبا.

المرحلة الثانية: الديون والمماطلة

  • أصبحت فرنسا مدينة للجزائر بمبالغ كبيرة، فبدأ حكام الجزائر يطالبون فرنسا بالسداد منذ عام ١٨٠٠م.
  • بدأت فرنسا تماطل في السداد، ثم تألفت لجنة مالية في باريس قررت تخفيض الديون من ٢٤ مليون فرنك إلى سبعة مليون فرنك فقط.
  • تم إبلاغ حاكم الجزائر في أغسطس ١٨٢٦م بأن إجراءات السداد سوف تستغرق وقتاً طويلاً.

حصار فرنسا لشواطئ الجزائر واحتلالها

في تلك الأثناء، حدثت اشتباكات بين السفن الجزائرية وسفن بابا روما في البحر المتوسط.

الذرائع والمطالب الفرنسية

استغلت فرنسا هذه الفرصة للمماطلة في سداد ديونها، وطالبت الجزائر بالتعويض عن سفن البابا.

أصرت فرنسا على فرض حصار بحري على شواطئ الجزائر، استمر هذا الحصار لأكثر من عامين (من ١٨٢٧م إلى ١٨٣٠م).

وأدى الحصار إلى مطالبة الجزائريين بـ:

  • (١) التوقف عن ممارسة القرصنة البحرية.
  • (٢) إعادة ما أُخذ من سفن البابا.
  • (٣) الاعتراف لفرنسا بحق "الدولة الأولى بالرعاية" في الجزائر.
  • (٤) التنازل عن الديون.

الغزو والاحتلال (يونيه ١٨٣٠م)

رفض حاكم الجزائر هذه المطالب. فقامت حكومة فرنسا (في عهد شارل العاشر) باستغلال الفرصة، وأصدرت أوامرها باحتلال الجزائر في يونيه ١٨٣٠م بعد مقاومة شديدة، لتتحكم في الجزائر وتستغل ثرواتها لصالح فرنسا.

كفاح الأمير عبد القادر الجزائري

بعد الاحتلال، برز الأمير عبد القادر الجزائري كقائد للمقاومة.

تنظيم المقاومة والمعاهدات

  • نظم الأمير عبد القادر الجزائري المقاومة وشكل إدارة عاصمتها مدينة "بسكرة".
  • اضطر الفرنسيون إلى محاولة التوصل إلى تفاهم معه، فعقدوا معه "اتفاقية دي ميشيل" عام ١٨٣٤م، والتي اعترفوا فيها به حاكماً على وسط وغرب الجزائر.
  • أعاد الفرنسيون تنظيم أنفسهم وخططهم وشنوا الهجمات على المقاومة، لكنهم لم يتوصلوا إلى نتيجة لصد هجماتهم.
  • لجأوا لعقد "معاهدة التفنة" عام ١٨٣٥م، ولكنهم سرعان ما نقضوها باحتلالهم مدينة "قسنطينة" عام ١٨٣٧م.

توقف الدعم واستسلام الأمير (١٨٤٧م)

  • كان دعم "سلطان مراكش" (المغرب) للمقاومة الجزائرية عاملاً أساسياً في صمودها.
  • عندما فرضت فرنسا قصف مدينة "طنجة" بالمغرب، ترتب على ذلك:
    • (أ) توقف سلطان مراكش عن دعم المقاومة الجزائرية.
    • (ب) حرمان الأمير عبد القادر من استخدام الأراضي المراكشية في عمليات المقاومة.
  • بالتالي، ضعفت المقاومة فضلاً عن تفوق السلاح الفرنسي.
  • اضطر الأمير عبد القادر الجزائري في نهاية الأمر للاستسلام عام ١٨٤٧م ونُفي إلى الشام.
  • استمرت المقاومة وقامت ثورات متعددة أخمدها الفرنسيون.

سياسة فرنسا في الجزائر (الاقتصادية والاستيطانية)

انتهجت فرنسا سياسة استعمارية تهدف إلى طمس هوية الجزائر واستغلال مواردها.

السياسة الاقتصادية (استغلال الموارد)

استنزفت فرنسا استغلال موارد الجزائر، حيث كانت موارد الجزائر مهماً من موارد الخزانة الفرنسية. قامت فرنسا بـ:

  • (١) مصادرة الأراضي من الجزائريين ومنح "الضيع" (الأراضي) للفرنسيين.
  • (٢) استيلاء شركات الاستثمار الفرنسية على مساحات واسعة من الأراضي لزراعة الكروم لإنتاج الخمور.
  • (٣) استغلال مناجم الحديد والفوسفات والنحاس والزنك.
  • (٤) إنشاء العديد من المصانع ومد خطوط السكك الحديدية.

السياسة الاستيطانية (تشجيع الهجرة)

مارست فرنسا سياسة استيطانية في الجزائر، حيث:

  • (١) شجعت هجرة الأوروبيين (فرنسيين وغيرهم) إلى الجزائر.
  • (٢) منحتهم الجنسية الفرنسية تشجيعاً لهم على البقاء والاستثمار.
  • (٣) صادرت أراضي الجزائريين ومنحتها للمستوطنين.
  • (٤) تمتع المستوطنون الفرنسيون بالجنسية الفرنسية الكاملة، بينما كان المسلمون في الجزائر يُعاملون معاملة "مواطنة من الدرجة الثانية".

ثانياً: كفاح الشعب الجزائري بعد الحرب العالمية الأولى

حمل "الأمير خالد عبد القادر الجزائري" (حفيد الأمير عبد القادر) شعلة المقاومة. حاول الأمير خالد الاستفادة من مبادئ الرئيس الأمريكي "ولسون"، خاصة مبدأ "حق تقرير المصير"، ولكن محاولته فشلت.

نتيجة للسياسة الاستيطانية والثقافية الفرنسية التي هدفت للقضاء على الشخصية الجزائرية العربية الإسلامية، ظهرت حركات وتيارات وطنية بعد الحرب العالمية الأولى:

١. جماعة علماء الجزائر (١٩٣١م)

  • تأسست عام ١٩٣١م.
  • هدفها: العمل على الحفاظ على الهوية الجزائرية العربية الإسلامية.
  • وكان لزعماء هذه الحركة الفضل في تحقيق ذلك.

٢. تيار الاندماج (بزعامة عباس فرحات)

  • الدعاة: كان من أبرز دعاته "عباس فرحات".
  • سبب الظهور: وجود شريحة كبيرة من مثقفي الجزائر تكونت على الطريقة الفرنسية، دعت إلى الاندماج.
  • المعنى: أن تكون الجزائر "قطعة من فرنسا".
  • المشكلة: هذا الاندماج كان يرضي الفرنسيين، ولكن دون أن يمارس الجزائريون حقوقاً مساوية لحقوق الفرنسيين في الوطن الأم (فرنسا) ولا الفرنسيين (المستوطنين) في الجزائر.

٣. جماعة نجمة شمال أفريقيا (بزعامة مصالي الحاج)

  • الزعيم: مصالي الحاج.
  • المطالب: المطالبة باستقلال الجزائر.

٤. تيار الثورة والقومية العربية

في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ظهر تيار يدعو للاستقلال، وتأثرت هذه الحركات بالثورة المصرية وظهور تيار القومية العربية، وتعددت الأحزاب التي نادت بالاستقلال.

موقف مصر من الثورة الجزائرية

أُعلنت الثورة الجزائرية المسلحة من القاهرة في نوفمبر ١٩٥٤م، واستمرت ثماني سنوات. كانت مصر الدولة الرئيسية في مساندة الثورة الجزائرية.

أشكال الدعم المصري

قامت مصر بـ:

  • (١) وضع إمكانياتها الإعلامية لخدمة القضية الجزائرية.
  • (٢) الدفاع عن حق شعب الجزائر في الاستقلال في المؤتمرات الدولية والأمم المتحدة.

النتائج المترتبة على الدعم المصري

  • (١) العدوان الثلاثي (١٩٥٦م): مشاركة فرنسا في العدوان الثلاثي على مصر. أدركت حكومة فرنسا أنه لا انتصار على الثورة الجزائرية إلا بإخراج مصر من المعركة.
  • (٢) الانتصار الدبلوماسي (١٩٥٧م): نجحت فرنسا (بالضغط) في استصدار قرار، ولكن الدعم المصري نجح في استصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام ١٩٥٧م بـ "حق الجزائر في الاستقلال".
  • (٣) استمرار الدعم: استمرت مصر في تقديم الدعم المالي والعسكري للثورة الجزائرية.

استقلال الجزائر (اتفاقيات إيفيان)

اهتزت الحكومة الفرنسية أمام الانتصارات الدبلوماسية الدولية وصلابة المقاومة الجزائرية، مما أدى إلى سقوط الجمهورية الرابعة في فرنسا.

مشروع شارل ديجول (١٩٥٩م)

  • (١) تولى "شارل ديجول" حكم فرنسا على أمل خروجها من عثرتها مع الحفاظ على الجزائر.
  • (٢) وضع ديجول خياره أمام الجزائريين عام ١٩٥٩م، وكان أحد الخيارات:
    • الاندماج في فرنسا.
    • الاستقلال مع الارتباط بفرنسا.

ثورة المستوطنين واتفاقيات إيفيان (١٩٦٢م)

  • (١) أدى مشروع ديجول إلى ثورة المستوطنين في الجزائر على حكمه.
  • (٢) شكل المستوطنون "منظمة الجيش السري"، وعملت على إبادة عدة آلاف من المسلمين العزل.
  • (٣) صمد "ديجول" كما صمد الجزائريون أمام هؤلاء المتطرفين.
  • (٤) نجحت المفاوضات بين الحكومة الفرنسية والجزائريين.
  • (٥) عُقدت "اتفاقيات إيفيان" عام ١٩٦٢م، والتي نصت على استقلال الجزائر.
  • (٦) بناءً عليه، حصلت الجزائر على استقلالها عام ١٩٦٢م.